الفلسطينيون في الضفة الغربية يواجهون حربا موازية لنظيرتها في غزة
في سياق خططه لتحييد الضفة الغربية عن غزة ومنع تحولها إلى قوة إسناد، ينفذ الجيش الإسرائيلي اقتحامات شبه يومية لمخيمات اللاجئين وينشر الحواجز العسكرية العازلة في مختلف المناطق، فيما يبدو حربا أخرى تشنها إسرائيل في الضفة الغربية.
يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية حربا موازية لنظيرتها الجارية في قطاع غزة، منذ شهر، عبر عمليات اقتحام واعتقالات وفصل بين المدن والبلدات بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية.
وقتلت إسرائيل 153 فلسطينيا وأصابت 2200 بجروح بينهم بحالات حرجة، في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية منذ السابع من أكتوبر المنقضي، بحسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية.
وتستخدم إسرائيل الرصاص الحي والقصف بطائرات مُسيرة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وخاصة في مخيمي جنين ونور شمس.
وتشهد الضفة موجة توتر ومواجهات ميدانية بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي بالتزامن مع استمرار الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.
والأحد، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في رام الله، إن ما يحدث في الضفة والقدس لا يقل فظاعة عما يجري في قطاع غزة، من “قتل واعتداءات على الأرض والبشر والمقدسات، على أيدي قوات الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين، الذين يقومون بجرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري، وقرصنة أموال الشعب الفلسطيني”.
وقال أمين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي إن إسرائيل تشن حربا على الضفة الغربية، تزامنا مع حربها على قطاع غزة.
وأضاف الصالحي أن إسرائيل “حولت الضفة الغربية إلى ما يشبه المعازل، عبر فصلها بحواجز عسكرية وبوابات حديدية، وسواتر ترابية”.
واتهم الصالحي الإدارة الأميركية بدعم إسرائيل في حربها ضد الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وأشار إلى أن إسرائيل “تستغل الانشغال الدولي بالحرب على غزة، وتنفذ سياسات وانتهاكات في الضفة الغربية”.
ويقول نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي)، إن إسرائيل اعتقلت منذ السابع من أكتوبر نحو 2080 فلسطينيا بالضفة الغربية.
وأشار إلى أن هذه الحصيلة تشمل من جرى اعتقالهم من المنازل وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، واحتجاز أفراد من عائلاتهم كرهائن.
وبيّن أن حملات الاعتقال “تشكّل أبرز السياسات الثابتة، والممنهجة التي تستخدمها إسرائيل، بهدف تقويض أي حالة مواجهة متصاعدة، كما أنها من أبرز أدوات سياسة العقاب الجماعي، التي تشكّل كذلك أداة مركزية لدى الاحتلال في استهداف المواطنين”.
ووثق نادي الأسير شهادات أولية من معتقلين جرى الإفراج عنهم بعد اعتقالهم بفترة وجيزة، وكذلك عائلات المعتقلين الذين استهدفوا خلال حملات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر.
وعكست تلك الشهادات “مستوى عاليا من الاعتداءات والانتهاكات والجرائم الممنهجة، والتي وصلت إلى حد تهديدهم بإطلاق النار بشكل مباشر، والضرب المبرح، والتحقيق الميداني معهم، والتهديد بالاغتصاب، واستخدام الكلاب البوليسية، واستخدام المواطنين كدروع بشرية وغيرها من الانتهاكات الوحشية”.
وأشارت المعطيات إلى أن معتقلين اثنين قتلا بعد اعتقالهما بفعل التعذيب، فيما أصيب عدد كبير بجروح.
وبالتوازي مع الحرب، يشن المستوطنون اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، حيث وثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، ما يزيد عن 400 اعتداء منذ السابع من أكتوبر الماضي، ما أدى إلى مقتل 9 فلسطينيين.
كما أسفرت هجمات المستوطنين عن تهجير 9 تجمعات فلسطينية بدوية، تتكون من 100 عائلة، تشمل 810 أفراد من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى.
ودمر المستوطنون 712 شجرة، وخربوا مساحات شاسعة من الأراضي، وقطعوا طرقات، واعتدوا على منازل وممتلكات، تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
ويقول مراقبون إن الجيش الإسرائيلي يواصل تدمير البنية التحتية بالضفة خاصة في مخيمي جنين ونور شمس، حيث نفذ سلسلة اقتحامات عمل خلالها على حفر الشوارع وتدمير شبكات المياه والهواتف والصرف الصحي، والكهرباء. كما هدمت الآليات الإسرائيلية ميادين عامة ونصبا تذكارية، ومنها مدخل مخيم جنين، وحصان المخيم. وعمد الجيش إلى تفجير محال تجارية ومنازل وتحطيم مركبات خاصة.
ومنذ شهر يشن الجيش الإسرائيلي “حربا مدمرة” على غزة، قتل فيها 9770 فلسطينيا، بينهم 4800 طفل و2550 سيدة، وأصاب أكثر من 24 ألفا آخرين، كما قتل 151 فلسطينيا واعتقل 2080 في الضفة الغربية، بحسب مصادر فلسطينية رسمية.
وقتلت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة أكثر من 1538 إسرائيليا وأصابت 5431، وفقا لمصادر إسرائيلية رسمية، كما أسرت ما لا يقل عن 242 إسرائيليا ترغب في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون إسرائيل.
ويقول رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني صادق أبوعامر إنّه “كان من المتوقع أن تتصرف إسرائيل على هذا النحو لأسباب ودوافع مختلفة، أهمها محاولة تثبيت الضفة الغربية حتى لا تنفجر الأوضاع فيها بشكل متزامن مع غزة”.
ويرى أبوعامر في حديثه مع تي.آر.تي عربي، أنّ من أهداف الجيش الإسرائلي “تصفية بعض الجيوب وإعطاء نفسه إمكانية لتحرك أكثر قوة وعنفا تجاه بعض المخاطر والتهديدات التي يعتقد أنّه يجب التعامل معها وكانت مؤجلة”.
ويبيّن الباحث في الشأن الفلسطيني أنّ الجيش الإسرائيلي يغيّر بشكل مستمر أوامر إطلاق النار للجنود ويسهلها، كما أنّه يدفع بالمستوطنين ويعمل على تسليحهم، “وهنا تزداد الانتهاكات”.
ويضيف أنّ “إسرائيل تريد تخويف الأهالي وإرهابهم في الضفة الغربية وفرز البيئات وتحديد الأشخاص الذين يمكن أن يتعاطفوا مع غزة ويساندوها”.
وعن أسباب التصعيد في الضفة رغم الانشغال بالحرب على غزة، يقول أبوعامر إنّ إسرائيل “لا تجزئ المعارك، وهي ترى أنّها تخوض حروبا مصيرية، فهي تريد أن تطمئن على مستقبلها على كل الصعد والجبهات”.
ويؤكد الباحث الفلسطيني أنّ إسرائيل “معنية بإدارة صراع على الجبهات المتعددة، وهذا يتطلب نوعا من الاستفزاز والضغط العسكري والأمني على جميع البيئات النشطة”.