95 ضابطا يعلنون عن تمردهم على قيادة الجيش السوداني
تتماهى الوثيقة المتداولة حول تمرد 95 ضابطا في الجيش السوداني مع ما توقعه المحللون في وقت سابق. وبغض النظر عن مدى صحة الوثيقة من عدمها، فإن سيطرة الحركة الإسلامية على مفاصل الجيش عامل محفز على زيادة الانشقاقات.
تداول سودانيون، الخميس، وثيقة وقّع عليها 95 ضابطا من رتب مختلفة، أعلنوا فيها مخالفتهم لأوامر وتعليمات القيادة الحالية للجيش وتمردهم الصريح عليها، وعليها شعار القيادة العامة، وممهورة بتوقيع عميد ركن د. أحمد حسن أحمد آدم.
وضمت الوثيقة المكونة من أربع صفحات أسماء الضباط ورتبهم العسكرية لتأكيد صحتها، مشيرة إلى أن أسباب التمرد، هي: تقاطعات الإسلاميين داخل الجيش وانفرادهم داخل الجيش باتخاذ القرار العسكري، والهزائم المتكررة في المعارك وفقدان الفرق العسكرية بدارفور وكردفان، والقرار الخاطئ بانسحاب القوات في حامية كليس ودخولها تشاد، وعدم وضوح الرؤية والمصير المجهول للقوات المسلحة.
وتحول تأثير القيادات الإسلامية في القرار العسكري من تهمة إلى حقيقة بعد توالي الإثباتات التي تؤكد هذه العلاقة، وأدى خروجها من باب التوقعات والتكهنات إلى الواقع بفعل تصريحات لقيادات معروف أنها تنتمي إلى الحركة الإسلامية، إلى إضفاء مصداقية كبيرة عليها، جعلت الحرب التي يخوضها الجيش كأنها حربهم.
ولم يؤكد أو ينفي الجيش السوداني ما جاء في الوثيقة التي سُربت نسخة منها إلى وسائل الإعلام، لكن حدث خلاف حولها عندما عرضتها “العرب” على قيادات عسكرية سودانية سابقة، فأحدهم شكك فيها واستبعد صحتها تماما، واعتبرها نوعا من الحرب النفسية ضد الجيش من دون أن يقدم ما يثبت كلامه.
بينما تعاملت قيادة أخرى مع الوثيقة التي ضمت أسماء محددة بجدية وأكدت أنها صحيحة، خاصة أن المبررات التي ساقتها هذه القيادة منطقية، فهناك اختراق واضح من قبل فلول النظام السابق للجيش، وهزائم كبيرة مُنيت بها وحداته في دارفور، ووجود حالة عجز أو “توهان” تحيط بالأدء العام لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
وأضافت القيادة العسكرية الثانية، والتي رفضت ذكر اسمها، أن المضمون العام للوثيقة يستطيع أن يستشعره أي مراقب للتطورات، وبصرف النظر عن الأسماء التي حوتها، فمن المؤكد أن هناك تململا داخل الجيش يأخذ في الاتساع مع طول وقت الحرب وفشل قيادته في تحقيق انتصار حاسم وعدت به المواطنين سريعا.
وأشارت إلى أن استسلام بعض الوحدات الرئيسية التابعة للجيش لقوات الدعم السريع في إقليم دارفور يكفي لتعزيز صواب المعلومات المتداولة حول تمرد العشرات من الضباط، لأن الانكسارات العديدة التي واجهها زملاؤهم كشفت عن انفصام داخل الجيش وعدم جاهزية لدى جنوده وضباطه لمواصلة المعارك في مناطق مختلفة.
ولفتت القيادة العسكرية السابقة في تصريحها لـ”العرب” إلى أن عدم نجاح منبر جدة في تحقيق تقدم على مستوى وقف النار تتحمل جزءا كبيرا من مسؤوليته قيادات محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، لا تريد الوصول إلى هذه النقطة عقب تكبد الجيش خسائر باهظة، ما يعني أن الدعم السريع لها يد طولى في رسم خارطة المرحلة المقبلة، واستبعاد الجيش من السلطة، ومعاقبة الفلول العسكريين والمدنيين.
ويتابع السودانيون تطورات الحرب وعيونهم كانت معلقة بمفاوضات جدة، على أمل أن تثمر نتيجة إيجابية تفضي إلى وقف الحرب وإعادة ترتيب الأوضاع السياسية، غير أن ما يلحظه الكثير منهم أن الأمور قد تستمر فترة طويلة، شهورا وربما سنوات، ما لم يتمكن طرف من حسم الموقف العسكري لصالحه.
وفي ظل الارتباك الذي يعاني منه الجيش في ميادين كثيرة، يتوقع كثيرون أن تحدث انقسامات في صفوفه بسبب إصرار الحركة الإسلامية على الهيمنة على مفاتيحه، وتضييق قيادتها الخناق على رقبة الجنرال البرهان ليبقى أسيرا لحساباتها الضيقة، حتى ولو خسر في الجانب العملياتي ولم يتمكن من ضبط هيكله العسكري بالصورة التي تسمح بالتفاف المواطنين حوله كجيش وطني منضبط وليس مؤسسة تابعة لفلول البشير.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة إن الوثيقة لم يتم التأكد من صحتها وتعددت الآراء حول حقيقتها أو نفي صحتها، غير أن الواقع يشير إلى وجود مشكلات عميقة يعاني منها الجيش السوداني في تركيبته الداخلية، وأن سيطرة ميليشيات تنظيم الإخوان على مفاصل عديدة تجعل من الوراد حدوث مثل هذه الانشقاقات، وأن الأرقام تتواتر حول أعداد أكبر تركت مواقعها داخل الجيش ولم يعد لها حضور عسكري من دون أن تقدم استقالتها بشكل رسمي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المعلومات تشير إلى قيام قوات الدعم السريع بأسر وإلقاء القبض على نحو ثلاثة آلاف من ضباط الجيش، بجانب جنود جرى الإفراج عن معظمهم، وبين الحين والآخر يتحدث البعض عن وجود كشوفات لاستقالات ضباط الجيش من دون معلومات موثقة، في ظل صعوبة الأوضاع العسكرية وغياب أدوات التدقيق، وطبيعة الحرب الإعلامية المحتدمة بين الطرفين المتصارعين.