وتيرة الإصلاح تدعم ثقة صندوق النقد باقتصاد الأردن
تلقى الأردن دعما جديدا من المانحين الدوليين لاستكمال مسار معالجة التوازنات المالية، والتي يعد إصلاحها مؤشرا على مدى جدية الحكومة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية على الرغم من رفضها من قبل شريحة من الأوساط الشعبية لشدة قسوتها.
عزز صندوق النقد الدولي ثقته بالاقتصاد الأردني نتيجة إصلاحات الحكومة رغم التحديات التي لا تزال قائمة لتعديل أوتار التوازنات المالية على النحو الذي لا يؤثر على معيشة الناس، بعدما عانى البلد من الصدمات الخارجية منذ تفشي الوباء في 2020.
وأعلن الجانبان هذا الأسبوع عن اتفاقهما على برنامج إصلاح جديد حجمه 1.2 مليار دولار على أربع سنوات، وهو من شأنه أن يبعث رسالة ثقة للمستثمرين ويساعد في حماية الاقتصاد من التأثير السلبي للصراع الإقليمي.
ويبقى الاتفاق الذي جاء في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" رهن موافقة إدارة المؤسسة المالية الدولية المانحة ومصادقة مجلسه التنفيذي، ومن المقرر أن يحل مكان برنامج حالي ينتهي بداية عام 2024.
وجاء في بيان صندوق النقد أن البرنامج سيواصل دعم الأردن في الوقت الذي "يواجه فيه صدمات جديدة”، مع التركيز على مواصلة ضبط أوضاع المالية العامة لجعل الدين العام يمضي نحو مسار نزولي مطرد، وأيضا ضمان الاستقرار النقدي والمالي.
ويرى الصندوق أن الأردن حقق معظم الأهداف المالية والنقدية منذ برنامجه السابق الذي بدأ في شهر مارس 2020، وسد ثغرات في التهرب الضريبي ووسع القاعدة الضريبية وحافظ على بقاء احتياطي ملائم من العملة الأجنبية بلغ 18 مليار دولار.
وقال وزير المالية الأردني محمد العسعس الخميس الماضي إن البرنامج الجديد الذي تدعمه المؤسسة المالية الدولية "سيساعد المملكة على تكيفها على نحو أفضل مع وطأة الصراع في غزة مقارنة بمعظم الدول الأخرى".
وأضاف أن "هذا وثيقة حماية من الصدمات الإقليمية التي سيتعرض لها الأردن، وسيحافظ على سياسته المالية والنقدية".
وتعافي الأردن من تأثير الاضطرابات الاقتصادية العالمية بعد الجائحة يعني أنه حتى في ظل صدمة الصراع في غزة، فمازال النمو يمضي على الطريق المستهدف هذا العام.
وأوضح العسعس أن الاتفاق الجديد سيساعد في الحصول على أسعار فائدة تفضيلية من المانحين الغربيين الرئيسيين، وكذلك الحصول على تمويل أرخص من أسواق رأس المال العالمية.
وأشار إلى أنه يمكن التوجه في أي وقت إلى الأسواق العالمية للاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، لأن هناك ثقة في مرونة واستقرار الاقتصاد الأردني كما شهد صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف بذلك.
وارتفع رصيد الدين العام المستحق على البلاد في نهاية أغسطس الماضي بنسبة 3.4 في المئة إلى نحو 44.7 مليار دولار، مقارنة مع نحو 42.8 مليار دولار في نهاية 2022.
وساعد التزام الأردن بإصلاحات صندوق النقد وثقة المستثمرين في الآفاق المستقبلية في الحفاظ على تصنيفات سيادية مستقرة، في وقت تراجع فيه تصنيف أسواق ناشئة أخرى مثل تركيا في العامين الماضيين.
وسبق أن أكد محافظ البنك المركزي الأردني عادل الشركس في الكثير من المرات أن ربط الدينار بالدولار الأميركي ما زال يخدم الاقتصاد الأردني جيدا.
ويبلغ سعر الدينار الأردني نحو 1.4 دولار منذ 28 عاما وهي سياسة يقول صناع القرار المالي في الأردن إنها تعتبر الركيزة الاسمية للسياسة النقدية وأحد أهم مرتكزات استقرار الاقتصاد الكلي.
وشدد على أن بلاده لديها احتياطات كبيرة وآمنة من العملات الأجنبية قال الشهر الماضي إنها بلغت “17.4 مليار دولار وبنسبة تغطية لقرابة ثمانية أشهر من الواردات”، أي ما يزيد عن المعيار الدولي المتعارف عليه والبالغ ثلاثة أشهر.
ويعتبر ارتفاع حجم الاحتياطيات الأجنبية مؤشرا إيجابيا على الاستقرار المالي والاقتصادي في الأردن ويؤكد حصافة السياسة النقدية التي يتبعها المركزي، وسيساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع الثقة باقتصاد البلاد لدى المؤسسات الدولية.
وساهم نمو حجم الصادرات الأردنية الذي تحقق خلال 2022، إلى جانب تزايد النشاط السياحي وارتفاع تحويلات المغتربين بالإضافة إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، في ارتفاع حجم الاحتياطات الأجنبية.
وتشير بيانات المركزي إلى ارتفاع صادرات البلاد من السّلع والخدمات بنسبة 15.3 في المئة لتصل إلى نحو 11 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، الأمر الذي ساهم بانخفاض عجز الميزان التجاري بمقدار 35.4 في المئة على أساس سنوي.
كما شهدت تحويلات المغتربين الأردنيين ارتفاعا خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي إلى حوالي 2.25 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك، زاد إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من هذا العام إلى نحو 776 مليون دولار، بارتفاع نسبته 20.9 في المئة بمقارنة سنوية.
ولعب ارتفاع الدخل السياحي دورا مهما أيضا في نمو الاحتياطات النقدية، إذ ارتفع خلال الأشهر التسعة الماضية بنسبة 37.7 في المئة بتسجيله ما قيمته 5.8 مليار دولار، مدفوعا بارتفاع عدد السياح الذي وصل إلى أكثر من 5 ملايين سائح بنمو قدره 38.1 في المئة.
ولفت الشركس إلى أن دولرة الأصول في القطاع المصرفي بلغت نحو 18 في المئة، وهي نسبة أقل بكثير من دول كثيرة وعلامة على الثقة في العملة المحلية.
ويتوقع صندوق النقد أن يحقق الاقتصاد الأردني نموا بواقع 2.6 في المئة عام 2023، لكن الحرب الدائرة في الشرق الأوسط قد تقيّد نسبة النمو بحيث لا تتجاوز 2.6 في المئة خلال العام المقبل.
وقال رون فان رودن، رئيس فريق خبراء صندوق النقد الذي زار الأردن، إن "البيئة الخارجية لا تزال مليئة بالتحديات"، لافتا إلى تصاعد التوتر عالميا وإقليميا وارتفاع أسعار الفائدة والنمو العالمي غير المتكافئ.
وأضاف أن "الصراع في غزة وإسرائيل يشكل خطرا آخر على المنطقة ويمكن أن يؤثر سلبا على الاقتصاد الأردني".
وأشار رودن إلى أن الأردن في وضع جيد لتلقي أي صدمات اقتصادية ناتجة عن النزاع بين حماس وإسرائيل، ما لم يحدث "تصعيد كبير"في المواجهات العسكرية.
وأكد أن "الهدف هو تسريع النمو على المدى المتوسط للتعامل مع الارتفاع المستمر للبطالة، مع ضمان محافظة الأردن على استقرار الاقتصاد الكلي".