الرمال تتحرك بشكل مفاجئ قرب الحدود الجنوبية للجزائر
حقق المجلس العسكري في مالي انتصارا معنويا مهما بعد سيطرته على كيدال معقل المتمردين الطوارق. وظل تمرد هذه المنطقة مصدر إزعاج كبير لباماكو خلال السنوات الماضية، التي جعلت من استرجاع السيادة عليها هدفا رئيسيا.
تسارعت التطورات الأمنية في الخاصرة الجنوبية للجزائر، بشكل بات يثير المزيد من القلق، خاصة في ظل تشتت الاهتمام الإقليمي والدولي نحو الوضع المتوتر في قطاع غزة، فعلاوة على الانهيار غير المعلن لاتفاق السلم والمصالحة الوطنية المالية المبرم بالجزائر، يبدو أن المجلس العسكري الحاكم في مالي، يريد استغلال انشغال المنطقة بالوضع في الشرق الأوسط، لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية في المنطقة الشمالية، حتى ولو فتح المجال أمام كل الاحتمالات.
أعلنت قيادة الجيش المالي أنها سيطرت على منطقة كيدال الواقعة في شمال البلاد وعلى الحدود مع الجزائر، وهو ما يشكل تحولا إستراتجيا في الجارة الجنوبية للجزائر، قياسا بكونها تشكل المعقل الرئيسي للانفصاليين الطوارق، وعاصمة إقليم الأزواد الحالمين باستقلال ذاتي عن الحكومة المركزية، بينما تراها سلطة باماكو تحقيقا للسيادة الكاملة على البلاد.
وصرح العقيد أسيمي غويتا الذي يقود المجلس العسكري الحاكم في مالي، في رسالة بثها التلفزيون الرسمي، “اليوم سيطرت قواتنا المسلحة والأمنية على كيدال”، وهو ما يؤكد البيانات التي أطلقتها قيادة المجلس الأزوادي منذ أسابيع حول تنفيذ الجيش المالي بدعم من قوات مجموعة “فاغنر” الروسية، هجومات وغارات على مواقع التنظيم وعلى وفود البعثة الأممية في المنطقة “المينوسما”.
ويرى متابعون لشؤون المنطقة أنه “إذا تأكدت أخبار السيطرة على منطقة كيدال، سيكون ذلك نجاحا رمزيا كبيرا للمجلس العسكري الذي سيطر على الحكم في العام 2020، باعتبار أنه كان غائبا منذ سنوات عن المدينة التي تسيطر عليها جماعات مسلحة غالبيتها من الطوارق”.
وسبق للجيش المالي أن تكبد في كيدال ومحيطها هزائم اعتبرت مذلة بين 2012 و2014. وظل تمرد هذه المنطقة مصدر إزعاج كبير لباماكو التي جعلت من استرجاع السيادة عليها هدفا رئيسيا، بينما ظلت الجزائر الراعي الرسمي لاتفاق السلام في مالي، تعتبره جزءا من خارطة طريق الصلح بين الفصائل المتمردة والحكومة المركزية، وأولت أهمية معتبرة لإعمار الإقليم بغية تمكين السكان المحليين من الاستقرار وإدارة شؤونهم انطلاقا من كيدال.
وكان شيوخ وزعماء قبائل في مجتمع الطوارق بإقليم الأزواد، قد وجهوا نهاية شهر نوفمبر المنقضي، خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للتنديد بما أسموه “الصمت الدولي على الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي الذي يتخبطون فيه، بسبب عمليات التقتيل والتهجير التي يقوم بها الجيش المالي، بدعم من قوات مجموعة فاغنر وطيران تركيا”، واتهموا تحالف “ليبتاكو غورما” ويقصد به كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلى جانب فرنسا والجزائر، بالمساهمة في الوضع المأساوي الذي تعيشه المنطقة.
وتذكر تقارير محلية أن المعارك استؤنفت مطلع الأسبوع بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق في منطقة كيدال، وأن الجيش الرسمي تحرك باتجاه المنطقة نهاية الأسبوع، وأن السكان غادروها إلى مناطق آمنة. وأضافت أن “القوات المالية دعت السكان إلى التحلي بالهدوء والسكينة، وأن عملياتها متواصلة، مؤكدة أنها اتخذت التدابير اللازمة لضمان أمن السكان، ودعتهم إلى اتباع تعليمات الجيش”.
ولفت ضباط من الوحدات التي استحوذت على المنطقة إلى أن “المتمردين كانوا قد غادروا المدينة حين دخلتها القوات المسلحة، وأن الجيش سيطر خصوصا على مدرج للطائرات، ومعسكر انسحبت منه بعثة الأمم المتحدة في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي. ولا يستبعد مراقبون أن تكون الأراضي الجزائرية وجهة لسكان الإقليم، إذا أجبروا على مغادرته من طرف القوات الحكومية، وهو ما يشكل نزوحا سيضع الجزائر في موقع حرج، خاصة في ظل صعوبة التمييز بين الفارين من الهجوم العسكري، والراغبين في الهجرة السرية.
وفيما لم يصدر أي تعليق رسمي في الجزائر حول التطورات المتسارعة في المنطقة، يشكل سقوط كيدال بين قوات الحكومة المركزية إيذانا بسقوط اتفاق السلم والمصالحة الوطنية الذي ترعاه منذ العام 2015، ومؤشرا خطيرا على تحرك الرمال في واحد من الأشرطة الحدودية الهشة، وهي المقاطع التي تتقاسمها مع مالي والنيجر، وبشكل أقل مع ليبيا.
وكان موقع “تاناكرا الإعلامية” (النهضة الإعلامية) الذي يتبنى الدفاع عن قضايا الشعب الأزوادي، قد استعرض العديد من الصور والتسجيلات تذكر أن أصحابها هم ضحايا القصف والمجازر العسكرية التي ينفذها الجيش المالي، بدعم كل من فاغنر الروسية والطيران التركي.
ولفت إلى أن المخطط الذي ينفذه الجيش المالي أفضى إلى تنفيذ مجازر ضد السكان المحليين، ونهب الممتلكات، وتهجير أعداد كبيرة من المواطنين من بلدات فويتا، ليرا، بير، إرسان، تابانكورت، تاركينت، أنفيف، إيكاديوان، تيستليت، تيدغمين.. وغيرها.