الخلافات بشأن حرب غزة تشق الدبلوماسية في واشنطن وباريس

ظهرت مواقف مناوئة للحرب على غزة من مثقفين وفنانين وسياسيين في أكثر من بلد غربي

واشنطن

لم تقف الهجمات الإسرائيلية في غزة عند حد إثارة الخلافات في أوساط الشعوب الغربية وإنما أثارتها أيضا في أوساط الدبلوماسيين الغربيين، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك الخلافات التي نشبت في وزارتيْ خارجية الولايات المتحدة وفرنسا بالتزامن مع تزايد أعداد المطالبين بوقف الحرب تحت تأثير صور استهداف المدنيين وخاصة في المستشفيات.

وكانت الخلافات متوقعة، ويعود ذلك أساسًا إلى استمرار الحرب أكثرَ من شهر وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين دون تحرك من واشنطن أو باريس لوقف الحرب، بل بالعكس وقفتا بشكل سافر إلى جانب إسرائيل وبرّرتا القصف الجوي المتواصل الذي يستهدف المدنيين بأنه “دفاع عن النفس”.

وتأتي الخلافات في ظل انقسام الشارع الغربي بشأن مسار الحرب، واستهداف إسرائيل لسكان القطاع كجزء من الحرب على حماس. وظهرت مواقف مناوئة للحرب من مثقفين وفنانين وسياسيين في أكثر من بلد غربي.

وتحرك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتطويق الانتقادات المتزايدة داخل الوزارة بشأن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه  الحرب، بعد أن دعا المئات من موظفي الحكومة بشكل علني وفي أحاديث خاصة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وقالت مصادر مطلعة على الأمر إن ما لا يقل عن ثلاث برقيات تنتقد سياسة الإدارة أُرسلت عبر “قناة المعارضة” الداخلية في الوزارة، والتي تأسست خلال حرب فيتنام وتُمَكّن الدبلوماسيين من إطلاع وزير الخارجية على المخاوف السياسية دون الكشف عن هوياتهم.

وتركز الانتقادات على دعم بايدن الراسخ لإسرائيل. ورفضت واشنطن دعوات من زعماء عرب وفلسطينيين لمطالبة إسرائيل بوقف هجومها على قطاع غزة، لكنها دعت إلى فترات توقف مؤقتة للسماح بدخول المساعدات وإجلاء الأميركيين والأجانب.

ووجه وزير الخارجية الأميركي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي وزارة الخارجية أقر فيها بالأثر العاطفي الذي أحدثه الصراع في الشرق الأوسط على العاملين وبالانقسامات السياسية المحتملة بين القيادات.

وقال بلينكن في رسالة نشرت رويترز مقتطفات منها “أعلم أن المعاناة التي سببتها هذه الأزمة بالنسبة إلى الكثيرين منكم لها أثر كبير على المستوى الشخصي”. وأعلن أحد مسؤولي وزارة الخارجية استقالته وقال إنه يعارض استمرار تقديم مساعدات إلى إسرائيل تتسبب في سقوط قتلى.

وفي الأسبوع الماضي نشر أكثر من 500 شخص، عملوا في حملة بايدن الانتخابية عام 2020، رسالة اطلعت عليها رويترز تدعو الرئيس إلى دعم الوقف الفوري لإطلاق النار. ونظمت مجموعة من موظفي الكونغرس وقفة احتجاجية الأربعاء الماضي في مبنى الكابيتول للمطالبة بوقف إطلاق النار، بحسب صور تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي فرنسا حرر عدد من السفراء رسالة وأرسلوها إلى وزارة الخارجية وإلى قصر الإليزيه معلنين فيها عن شعورهم بالإحباط بسبب موقف بلادهم من الحرب، وحذّروا من أن ذلك قد يفقد فرنسا مصداقيتها وتأثيرها في العالم العربي.

ونقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية واسعة الانتشار عن مصادر دبلوماسية قولها إن عددًا من سفراء فرنسا في العالم العربي وقّعوا وثيقة انتقدوا فيها سياسة ماكرون وموقفه من الحرب وقالوا “إن موقفنا الداعم لإسرائيل لم يكن مفهومًا في الشرق الأوسط منذ البداية”.

وعارض الموقعون (عددهم عشرة) ما سمّوه “انحراف” الموقف المؤيد للدولة العبرية، مؤكدين أن ما قام به الرئيس أحدث قطيعة مع موقف فرنسا السابق من الصراع في الشرق الأوسط، وهو موقف “تقليدي متوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

ولم تقتصر الخلافات داخل المؤسسات الرسمية على الولايات المتحدة وفرنسا، فقد أقالت الحكومة البريطانية الاثنين وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، بعد اتهامها الشرطة بالتساهل مع متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين، ووصفهم بالغوغاء ووصف التظاهرات بـ”مسيرات الكراهية”.

واستعان ريشي سوناك رئيس الحكومة البريطانية في مهمة وزارة الخارجية برئيس الحكومة الأسبق ديفيد كاميرون من أجل إعادة التوازن لموقف لندن من قضايا الشرق الأوسط والاستفادة من علاقاته الواسعة في المنطقة لتحقيق هذا الهدف.

وشهد حزب العمال البريطاني خلافات واستقالات لأعضاء بارزين بسبب معارضة زعيمه كير ستارمر وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحماس.

وفي ألمانيا انتقد مؤيدون لإسرائيل الاثنين الناشطة البيئية غريتا تونبرغ، بعد دعوتها إلى “وقف لإطلاق النار” في قطاع غزة، وظهورها بكوفية فلسطينية خلال تظاهرة بشأن المناخ في أمستردام.

ودعت الناشطة السويدية الأحد إلى “وقف إطلاق النار الآن” في غزة خلال مسيرة شارك فيها نحو 70 ألف شخص في أمستردام، للمطالبة بإيلاء مشكلة التغير المناخي اهتماما أكبر، قبل حلول موعد الانتخابات المبكرة في هولندا بحوالي أسبوع.