تغير المناخ يهدد غابات الفلين في تونس بالاندثار

تكشف التوقعات حول قضية الجفاف في تونس عن واقع صادم ينتظر الغابات نتيجة تغير المناخ، الذي سيقضم آلاف الهكتارات من الأشجار وخاصة الفلين في غضون ثلاثة عقود، مما يهدد مصدر رزق المئات من الأسر ويقلص فرص زيادة الإنتاج والعوائد.

عندما تسرع غريزة العيش من وتيرة التدمير!

تونس

رفع المرصد الوطني للفلاحة في تونس من منسوب التحذيرات بشأن التهديدات المتعلقة بفقدان قرابة 18 ألف هكتار من غابات الفلين (الخفاف) بحلول عام 2050 مع “تواصل العوامل المؤدية إلى ذلك وانعكاسات التغيرات المناخية”.

وتعتبر غابات الفلين موروثا محليا مهما منذ سنوات طويلة، بما توفره من جدوى اقتصادية واجتماعية للسكان، لكنها الآن تواجه تحديات كبيرة جراء الاحتباس الحراري والحرائق والقطع العشوائي للأشجار والرعي الجائر وغيرها من التأثيرات السلبية.

واعتمادا على النتائج، التي توصلت إليها ندوة عقدت الشهر الماضي، بمدينة طبرقة غرب البلاد، ببادرة من الجمعية التونسية للمياه والغابات وبالتعاون مع الإدارة العامة للغابات ومعهد بحوث الهندسة الريفية، قدم المرصد الوضعية الحالية وآفاق غابات الفلين بالبلاد.

وتنتشر غابات الفلين في الشمال والشمال الغربي للبلاد وخاصة بولاية (محافظة) جندوبة، حيث تكتنز تلك المناطق بأشجار الصنوبر والزان أيضا، وهي تعد مصدر رزق للكثير من العائلات هناك.

وفي آخر نشراته الشهرية التي أصدرها الاثنين الماضي، أفاد المرصد بأن مساحة هذه “الغابات تشهد تقلصا متواصلا بسبب الحرائق وقطع الأشجار والرعي المفرط وموت أشجار الفلين بسبب التغيرات المناخية”.

وبحسب الإحصائيات الرسمية التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية، فقد أدت الحرائق منذ العام 1970 وحتى العام 2020 إلى قضم حوالي 17.5 ألف هكتار من غابات الفلين.

وأظهر المسح الغابي، الذي تم إنجازه خلال الفترة الفاصلة بين عامي 1995 و2005 تراجعا واضحا في مساحات غابات الفلين بمعدل 600 هكتار سنويا.

ومن المتوقع حسب عمليات محاكات الانعكاسات المناخية بهذه الغابات، فقدان الآلاف من الهكتارات خلال السنوات السبع والعشرين المقبلة في ظل استمرار وجود عوامل تدهورها.

وأكد المرصد أن استغلال هذه الغابات يعد رهانا اجتماعيا واقتصاديا هاما اعتبارا لفرص العمل والإمكانات من استخراج الأعلاف والعائدات، التي توفرها للسكان بالمنطقة.

وتشير التقديرات، وفق المرصد، إلى أن الإنتاج السنوي من ثمرة شجرة الفلين يبلغ حوالي مليون وحدة علفية.

وتستحوذ جندوبة لوحدها على قرابة 76 في المئة من مساحة غابات الفلين، بينما تأتي ولاية باجة في المركز الثاني بنحو 16 في المئة، ثم ولاية بنزرت بحوالي ثمانية في المئة.

وتغطي الغابات في تونس زهاء مليون هكتار، أي حوالي 6 في المئة من المساحة الإجمالية للبلاد، وهي تأوي نحو مليون نسمة، أي ما يناهز 9 في المئة من عدد السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة بحسب أحدث الإحصائيات.

ويشكل الفلين أهمية كبيرة بين المنتجات الغابية الأساسية الأخرى، التي توفرها غابات جندوبة، التي تضم قرابة 60 ألف هكتار، حيث يقدر معدل إنتاجها السنوي بنحو 486 طنا، ما يعادل 90 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي.

ويبدأ موسم حصاد هذا المنتج في العادة مع مطلع مايو ويتواصل حتى نهاية شهر نوفمبر من كل عام، وتشرف عليه الوكالة الوطنية لاستغلال الغابات الحكومية، ويوفر القطاع قرابة خمسة آلاف فرصة عمل.

وتوفر غابات الفلين، التي تعد مساهما في التنمية الاقتصادية للبلاد، لخزينة الدولة عوائد تصل إلى 50 في المئة من مبيعات المنتجات الغابية والفاعلين الاقتصاديين من القطاع الخاص.

لكن الإنتاج السنوي من هذا المورد يشهد تراجعا بتحول معدله من 9 آلاف طن خلال الفترة الفاصلة بين عامي 1960 و1980 إلى أربعة آلاف طن، حاليا.

ودعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة إعادة التفكير بشأن تطوير غابات الفلين والاستنجاد بالخبراء والباحثين والأساتذة في المجال الغابي والصناعيين والتقنيين والمجتمع المدني.

كما طالبوا بتشجيع مبادرات تأسيس مؤسسات ومشاريع صغيرة لفائدة سكان الغابات مع مراجعة شروط الاستفادة من الفلين، مما يسمح بزيادة الإنتاج من هذه المادة بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة.

وقال رئيس الجمعية التونسية للمياه جمال العبيدي حينها إن “هذه الثروة تواجه العديد من التهديدات بما يستدعي إيجاد شراكة بين مختلف الأطراف لحمايتها”.

وشدد على الدور الموكول لسكان الغابات في هذا المجال خاصة وأن غابات الفلين تقوم بدور اجتماعي واقتصادي من حيث توفير فرص العمل وإنتاج الفلين والخشب ذي الجودة العالية.

وعانت البلاد شحا في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.

ووفقا لبيانات الإدارة العامة للحماية المدنية، تم تسجيل العشرات من الحرائق الصيف الماضي طالت 2400 هكتار، ولكن المساحة المتضررة أقل مما تم تسجيله العام الماضي حيث أتت الحرائق على قرابة 3166 هكتارا.

وحددت السلطات المساحات المتضررة من الحرائق بنحو 900 هكتار من الأراضي في الشمال الغربي، خلال يوليو الماضي، وشملت مدن طبرقة وملولة من ولاية جندوبة شمال غرب البلاد، كما مس الجفاف مساحات زراعية واسعة بكامل البلاد.

ووفق وكالة استغلال الغابات الحكومية، فإن متوسط إيرادات بيع الفلين سنويا يقدر بنحو تسعة ملايين دينار (2.9 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية)، وهي عوائد يرى المختصون أنه يمكن مضاعفتها إذا تمت إزالة التحديات التي يواجهها القطاع.

ويذهب أغلب الإنتاج أي بواقع 90 في المئة إلى الخارج من خلال التصدير، منها قرابة 70 في المئة نحو بلدان أوروبا خاصة السوق البرتغالية التي تشتري لوحدها حوالي 59 في المئة من الإنتاج السنوي تليها إيطاليا بواقع 11 في المئة.

وذكر البنك الدولي في مدونة نشرها على منصته الإلكترونية في مارس الماضي أن الضرورة تقتضي الحفاظ على الغابات باعتبارها "مصدرا للعيش وللعمل، خاصة، خلال مرحلة التعافي من آثار الجائحة".

وأكد أن الغابات تقدم، أيضا، خدمات النظم الإيكولوجيّة البريّة من خلال توفير فرص التنوّع البيولوجي ومياه الشرب وإزالة الكربون.