الهيدروجين مرتكز شراكة متعددة بين المغرب وألمانيا

اعتبرت أوساط اقتصادية أن مجال تطوير الهيدروجين الأخضر يشكل مرتكزا للشراكة متعددة الأبعاد بين المغرب وألمانيا، والذي يتوقع أن يفتح المزيد من الآفاق للتعاون الثنائي المثمر في العديد من المجالات بما في ذلك الصناعة وتعزيز التبادل التجاري.

الصفقة تمت

برلين

سعت ألمانيا والمغرب خلال فعاليات مؤتمر أفريقيا ومجموعة العشرين الذي تحتضنه برلين حاليا إلى التركيز على الصيغ الممكنة لبناء شراكات على المستويين الاقتصادي والتجاري، في إطار حوارهما الإستراتيجي متعدد الأبعاد تعزيزا للتعاون الثنائي.

وأعرب المستشار الألماني أولاف شولتس خلال اجتماع مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش على هامش القمة عن “ارتياحهما للشراكة المتميزة القائمة بين البلدين، مع استعراض مختلف التحديات الحالية والمستقبلية”، وفق بيان رسمي مغربي.

وشدد أخنوش خلال جلسة نقاش حول “تعزيز سلاسل القيمة المحلية والاستثمارات في أفريقيا – دور القطاع الخاص الألماني”، الاثنين الماضي، على أهمية الشراكة المغربية – الألمانية القائمة على علاقات متينة ما فتئت تتعزز في مختلف المجالات.

وأشار إلى أن الاستثمارات الألمانية في السوق المغربية تضاعفت ست مرات بين العامين 2015 و2022.

وعلى مستوى الطاقة المتجددة أكد أخنوش على إستراتيجية بلاده في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وأن بوسع ألمانيا الاضطلاع بدور مهم في دعم تطوير قطاع إنتاج هذه الطاقة المستدامة، بحكم خبرتها القوية في هذا المجال.

وتركز مساعي دول العشرين منها ألمانيا على مجموعة من الأولويات، خاصة ما يتعلق بإنتاج الطاقة البديلة، ولاسيما الهيدروجين الأخضر، مما يمكن أن يساعد أوروبا على التحول إلى اقتصاد محايد كربونيا.

ويعد استقرار القارة وازدهارها أيضا عنصرا أساسيا في الحد من الهجرة غير الشرعية.

ووقّع البلدان اتفاقية لإقامة مشروع الهيدروجين الأخضر بالمغرب في يونيو 2020، اعتمادا على طاقتي الشمس والرياح، خصصت له الحكومة الألمانية المليارات من اليوروهات.

وسيوفر إنتاج المشروع 25 في المئة من متطلبات ألمانيا من الطاقة النظيفة وما بين اثنين إلى 4 في المئة من الطلب العالمي لهذا النوع من الطاقة.

ولدعم الشراكة الثنائية اتفق البلدان على إطلاق حوارهما الإستراتيجي متعدد الأبعاد، بموجب الإعلان المشترك المعتمد بمناسبة الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى المغرب في أغسطس العام الماضي.

وسيشكل الحوار أساسا للمضي قدما في إطار العلاقات الثنائية وسيعزز التناغم بين مختلف مجالات التعاون الثنائي وتنمية التجارة والاستثمارات، والتعاون في مجال السياسة المناخية وسياسة التنوع البيولوجي، إلى جانب الحلول الطاقية الخضراء.

ويؤكد هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، أن اللقاء بين مسؤولي البلدين يعمق الحوار الجديد في إطار تنسيق الجهود لمواجهة التحديات المستقبلية السياسية والتجارية والاقتصادية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ذلك مهم “خصوصا بعدما تم تجاوز نقاط الخلاف التي وقفت على استمرار العلاقات المتميزة بين البلدين، خصوصا بعد الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه”.

واعتبر أن التعاون في الطاقات المتجددة ممر لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتبادل التعاون الإيجابي على أعلى مستوى.

وقال إنها “تشكل فرصة لإطلاق نواة صلبة لبناء مشاورات دبلوماسية وسياسية مسؤولة وذات توجه موحد يحترم ثوابت البلدين بعيدا عن المواقف الظرفية والحسابات السياسية الضيقة، حيث يتفق الجانبان على نقطة دعمهما للسلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة”.

ويعتمد التعاون بين المغرب وألمانيا في المقام الأول على الاقتصاد، بما في ذلك العمل المشترك في مجالات مثل التنمية المستدامة والمناخ والطاقة المتجددة والمياه.

ويرغب الطرفان في الاستثمار في الإمكانات التي يتمتع بها كلا البلدين، ولهذا تم تأطير أحد المشاريع الرئيسية المتوقع الشروع فيها قريبا، ويتمثل في تطوير الهيدروجين الأخضر.

ويرى خبراء أن بمساعدة الرباط، تهدف برلين إلى التقليل من اعتمادها على الغاز الروسي وفي الوقت ذاته تستخدم الهيدروجين الأخضر من الصحراء المغربية لإحراز تقدم في مكافحة تغير المناخ وتقليل انبعاثات الغازات إلى 65 في المئة بحلول عام 2030.

ويتوقع أن يشمل مشروع الهيدروجين أراضي الصحراء بعدما أعلنت بيربوك في ديسمبر 2021 عن إشادة بلادها بمشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتبارها مبادرة تسهم في حل نهائي للنزاع، وهو الموقف الذي أشاد به العاهل المغربي الملك محمد السادس في أغسطس العام الماضي.

ويرى الأستاذ الباحث بكلية الاقتصاد والتدبير بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة زكرياء الزرزاري أن ألمانيا وباعتبارها من الدول الصناعية القوية على الصعيد العالمي رأت في المغرب الشريك الموثوق.

وقال لـ”العرب” إن “المغرب يظهر انخراطه الجاد في المشاريع لبناء علاقة اقتصادية وعلمية مهمة وخاصة في الطاقات المتجددة”.

وأضاف أن ألمانيا خصصت “ما يعادل 9 مليارات يورو لتطوير الهيدروجن الأخضر بحلول عام 2030 منها مليارا يورو مع شركاء خارجيين موثوق بهم كالمغرب”.

ويعد المغرب ثاني مستفيد من التمويلات الألمانية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تساهم برلين بفعالية في تمويل برنامج الطاقة الشمسية، والذي يشكل مكونا رئيسيا في برنامج تطوير الطاقة البدلية بالبلاد.

ويتفق خبراء على أن الشراكات الجديدة والمستقبلية سترسخ خطط الرباط الطموحة لتعزيز برامج التنمية المستدامة الصديقة للبيئة، التي جعلته مثالا يحتذى في المنطقة العربية.

ولديهم قناعة بأن الشراكة الجديدة ستدعم مساعي الرباط للتشجع على تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وعلى الإنتاج الذاتي للصناعيين ولقطاع الخدمات وحتى الأشخاص في منازلهم.

ويأتي هذا كله بينما تتطلع الرباط إلى الذهاب في اتجاه تعزيز ركائز المكونات الذكية في المجال عبر التفكير في البطاريات باعتبارها مستقبلا لتخزين الكهرباء.

وأكد مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أن المغرب يمتلك مؤهلات كبيرة في ما يخص إنتاج الهيدروجين الأخضر بفضل توفر الموارد المتجددة بأسعار تنافسية.

وأشار المركز إلى الموقع الجغرافي للبلاد بفضل قربها من الأسواق الأوروبية ومن ضمنها ألمانيا التي تراهن على الهيدروجين ليحل محل الوقود الأحفوري في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها مثل الصناعات الفولاذية والكيمياوية والنقل.

وأوضح أن اندفاع ألمانيا، التي تعتبر من أكبر الدول الصناعية في أوروبا يأتي بسبب أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا.