السلطة المصرية توسع صلاحيات الأجهزة الأمنية لضبط الأسواق

قبضة أمنية قوية

القاهرة

بدأت الحكومة المصرية تستشعر خطرا من تنامي قلق شريحة من المواطنين بعد زيادة لافتة في أسعار الكثير من السلع، وحاولت فرض قبضتها على تجّار حمّلتهم مسؤولية الأزمة الراهنة، في توجه يستهدف الحفاظ على ما تبقى من شعبيتها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في أوائل ديسمبر المقبل.

وأقال رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مؤخرا رئيس جهاز حماية المستهلك وتم تعيين ضابط سابق كبير خلفا له، في محاولة لإثبات جدية الحكومة في مواجهة انفلات الأسواق، مع تكليف وزراء الداخلية والتجارة والتموين والتنمية المحلية بنشر فرق متابعة للمحال والسلاسل التجارية للتأكد من وضع التسعيرة المحددة على كل سلعة، وعدم البيع بأسعار مبالغ فيها.

وقررت الحكومة وضع أسعار استرشادية على السلع الأساسية بعد أن كانت قاصرة على سلع بعينها يتم تصنيفها بأنها "إستراتيجية" مثل الأرز والسكر، لكن الآن شملت العديد من المنتجات، وهو ما برره رئيس الحكومة بحتمية التدخل لمنع مضاربات يقوم بها كبار التجار، تسببت في وصول أسعار بعض السلع إلى مستويات قياسية.

ويعد توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية والرقابية لضبط السوق محاولة مهمة لاتخاذ إجراءات عملية بهدف تبديد غضب الناس من ارتفاع الأسعار، طالما أن المؤسسات الخدمية نفسها بدت عاجزة عن إيجاد حلول ناجزة للأزمة، وما يسببه ذلك من منغصات.

ويبدو أن اللجوء إلى الجهاز الأمني لتحقيق التوازن في الأسعار جاء بتكليف رئاسي بعد الشعور بأن الحكومة كجهة تنفيذية غير قادرة على التصدي للمشكلة، في حين أن الظرف السياسي في حاجة ماسة إلى أن يشعر الناس بأن الدولة حازمة وصارمة في التصدي لانفلات الأسعار، ولو تمت الاستعانة بالأجهزة الأمنية.

ويتزامن هذا التوجه مع تصاعد تململ الشارع من إخفاق الحكومة في الحد من تبعات موجة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وشعور شريحة من المواطنين بأن المؤسسات المنوط بها ضبط المشهد غير موجودة على الأرض، وأن المطالب الأساسية، مثل مطلبيْ العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، لم تتحقق بعد.

وأدى تباطؤ الحكومة في ضبط السوق إلى عدم اكتراث البعض من المواطنين بجدوى ما تسوق له الأحزاب القريبة من السلطة بالإنجازات التنموية التي تحققت طوال السنوات الماضية لإغراء الناس بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة لاستكمال ما تحقق، وهي معضلة تقر دوائر السلطة بحتمية التدخل لعلاجها على وجه السرعة.

وأدركت السلطة أن المصريين الذين طال صبرهم على ظروفهم المعيشية الصعبة وصلوا إلى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار دون تدخل من الدولة لضبط البوصلة والتوازن بين التركيز على الشق التنموي واتخاذ إجراءات صارمة لتحسين الأحوال الاقتصادية، عبر تحقيق العدالة في ضبط الأسعار وعدم ترك الناس فريسة للتجار.

ويصعب فصل التحركات المتسارعة للسيطرة على أسعار السلع عن تصعيد أعضاء بمجلس النواب ضد الحكومة وتقديم طلبات إحاطة تتهمها بالعجز وقلة الحيلة وتحمّلها مسؤولية انفلات السوق وفشلها في تبني سياسات تحصن المصريين من تقلبات الأزمات ووقوفها متفرجة أمام ارتفاعات غير مسبوقة في أثمان سلع إستراتيجية.

وجاءت السخونة السياسية في البرلمان كمحاولة لرفع الضغوط التي يتعرض لها النواب من جانب المواطنين في دوائرهم الانتخابية، لكن ذلك مقصود كي تستفيق الحكومة وتتحرك بإجراءات فعلية على الأرض وتكف عن التسويق لإنجازات على حساب معاناة الناس من ظروف معيشية قاسية ربما تهدد الاستقرار السياسي.

وقال مقرر لجنة الدين والموازنة بالحوار الوطني والأمين العام لحزب المحافظين طلعت خليل في تصريحات لـ”العرب” إن “غلاء الأسعار وصعوبات المعيشة أكبر خطر على الاستقرار، ومشكلة الحكومة أنها تتحرك متأخرة، وإذا تدخلت تأتي إجراءاتها غير عملية، وصمت الناس لا يعني القبول”.

ورأى خليل أن قيام أجهزة الدولة بتشديد القبضة أصبح ضرورة حتمية ولا يجب ربط ذلك بحدث سياسي، بل يفترض أن يكون التحرك مستداما للقضاء على فوضى السوق، ولا يجب أن يؤثر التجار سلبا على صورة الجهاز المؤسسي في الدولة.

وتنظر قوى معارضة إلى الاضطراب في الأسواق على أنه فرصة لتأليب المواطنين على النظام، لأن حراك الشارع وقوده الطبقات المتوسطة، لكن هذه الرؤية غير قابلة للتحقق لأن أغلبية المصريين تعيش حالة التفاف حول السلطة، على وقع التحديات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ويرفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن تتاجر الحكومة بتلاحم الشارع خلفه في مواجهة التحديات الخارجية وتلتزم الصمت وتترك الناس وحدهم في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ما يفسر كثرة اجتماعاته الأخيرة مع رئيس الحكومة ووزراء الملف الاقتصادي ومطالبتهم بضبط الأسعار وتفعيل آليات ضبط السوق.

ويعوّل الكثير من المواطنين على شدة حزم الأجهزة الأمنية لتعويض الترهل، خاصة في وزارات خدمية مفترض أن تكون حاضرة لإحداث توازن في الأسواق، مع غياب أجهزة محلية كانت تلعب في السابق دورا مهما على مستوى الرقابة والتصدي للفساد والرشاوى التي يتحصل عليها البعض مقابل غض الطرف عن تغول التجار.

وأخفقت الحكومة في ضبط سعر العملات الأجنبية ما أجبر البعض على اللجوء إلى السوق السوداء أو الموازية لشراء العملات المطلوبة في الاستيراد بأثمان باهظة، ووصل سعر الدولار إلى خمسين جنيها، ما ينعكس سلبا على أسعار السلع، بما فيها المصنعة محليا، وسط نهم واسع من التجار، وهو ما رد عليه رئيس الحكومة مؤخرا بأن “المشكلة عابرة وستحل قريبا”.

وعكست الإجراءات الأخيرة لضبط السوق ما تعانيه الحكومة من انفصال عن الواقع، لأنها اعتادت إنكار وجود أزمة اقتصادية أو انفلات في الأسعار، وهي معضلة تستدعي دائما تدخل الرئيس السيسي لمصارحة المواطنين بالحقيقة من خلال تقديم المزيد من المعلومات، وتحميله طوال الوقت مسؤولية الدفاع عن النظام والحكومة معا.

وتظل تحركات الحكومة استهلاكا إعلاميا إذا قررت الاستمرار في سياسة الجزر المنعزلة والبعيدة عن حركة الأسواق، ولا تكف عن ربط الأزمة الداخلية بالتداعيات الخارجية، وآخرها الحرب على غزة كسبب محوري لزيادة أسعار الكثير من السلع.

وما يثير حفيظة البعض تجاه أي تغير إيجابي للحكومة هو أن بعض السلع ترتفع أسعارها على الرغم من أن مكوناتها محلية، ما يشي بعدم قدرة الأجهزة الرسمية على ضبط المشهد، ويكفي أن برامج الحماية الاجتماعية المقدمة للبسطاء لم تعد ذات قيمة أمام اتساع الفجوة بين زيادات الأسعار وبين ما تقدمه الحكومة من مساعدات.