الجزائر تناور بورقة التمثيل في مجلس الأمن لاستعادة بريقها الأفريقي

تبون متمسك بشعارات الحرب الباردة

الجزائر

أبان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن رغبة ملحّة لبلاده في إصلاح مجلس الأمن الدولي عبر تسليط الضوء على التهميش الذي يطال القارة الأفريقية، وتحقيق أمنية طالما تم تداولها في السنوات الأخيرة حول تخصيص مقاعد دائمة للقارة في المجلس، من أجل الدفاع عن قضايا أفريقيا وانشغالاتها.

يأتي هذا في ما يقول مراقبون إن الجزائر تسعى من هذه الدعوة إلى لفت أنظار القمة واستعادة البريق الذي فقدته في السنوات الأخيرة مع تراجع دورها وضعف تحالفاتها داخل منظمة الاتحاد الأفريقي.

وفي الوقت الذي يتقدم فيه المغرب لكسب الاعتراف بمقاربته حول الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية لقضية الصحراء، تراجع تأثير الجزائر وحليفتها جبهة بوليساريو خاصة مع اتجاه المنظمة الأفريقية إلى بناء علاقات على منوال جديد يعطي الأولوية للاقتصاد والمصالح والتخلي عن شعارات الحرب الباردة ومعاركها.

وخلال سنة 2022، قررت الجزائر وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا تشكيل حلف ”مجموعة الأربع” كإطار يهدف إلى التشاور والتنسيق لإيجاد حلول لمختلف القضايا التي ستواجه القارة الأفريقية مستقبلاً.

لكن المجموعة فشلت ولم تحقق أيّ نجاح، في ما تعاملت معه دول مثل مصر على أنه كيان يعمل ضدها بسبب التحالف مع إثيوبيا والوقوف إلى جانبها في موضوع سد النهضة.

ويرى المراقبون أن المبادرات الفضفاضة لم تعد تصنع التحالفات، وأن الجزائر تحتاج إلى أن تغير أسلوبها ببناء علاقات تقوم على تبادل المصالح مع الأفارقة مثلما يفعل المغرب الذي نجح في بناء تحالفات وثيقة اعتمادا على الشراكات الاقتصادية، مشيرين إلى أن الدعوة إلى حصول أفريقيا على مقعد بمجلس الأمن قديمة وسبق أن بادرت بها دول أخرى، والحديث عنها الآن يعتبر متأخرا وبلا مفعول.

وأكد الرئيس الجزائري في رسالته إلى القمة الخامسة لمجموعة العشرة التابعة للاتحاد الأفريقي المنعقدة بغينيا الاستوائية، أن تلاحق الأزمات والنزاعات بشكل غير مسبوق في العالم يفرض على المجموعة الدولية أكثر من أيّ وقت مضى التعامل مع ملف إصلاح مجلس الأمن الدولي بإلحاح واستعجال كبيرين، وتصحيح الظلم التاريخي المسلط على القارة الأفريقية.

وحملت رسالة تبون إلى القمة الخامسة لمجموعة العشرة الأفريقية مفردات أكثر جرأة حول الرغبة الجزائرية في الدفع بالقارة السمراء إلى تحقيق مكاسب متقدمة داخل الهيئة الأممية، عبر مراجعة حضورها وتمثيلها وحصولها على مقعد دائم في المجلس.

وقال إن هذه القمة “تنعقد في ظرف دولي وإقليمي مثقل بالتحديات والمخاطر وفي ظل أزمة حادة ألمّت بمنظومة الأمن الجماعي، ووسط الشلل شبه التام الذي يطال مجلس الأمن الأممي راهنا”، في تلميح إلى فشله المتكرر في الآونة الأخيرة بإصدار قرار حول غزة.

وأضاف “تتابع الأزمات والصراعات والنزاعات بصورة متسارعة وتراكمها بشكل غير مسبوق واستفحالها، دون تحرك فعلي وهادف من المجموعة الدولية للتكفل الأمثل بها، يفرض على المجموعة الدولية، أكثر من أيّ وقت مضى، ضرورة إحاطة هذا الملف بالعناية اللازمة والتعامل معه بكل صرامة وحزم وعزم، باعتبار أن هذا الملف يطرح نفسه اليوم بإلحاح واستعجال كبيرين”.

واستدل على مطلبه بما أسماه “الواقع المتأزم للقارة الأفريقية، لاسيما في منطقة الساحل الصحراوي التي تعاني من استوطان آفة الإرهاب والجريمة المنظمة وانتشار بؤر التوتر وعدم الاستقرار وما يعيشه الفلسطينيون من مأساة حقيقية تتفاقم يوما بعد يوم بسبب عجز المنظومة الأممية الجامعة عن ردع المحتل الصهيوني عن جرائمه وكف انتهاكاته بحق قواعد القانون الدولي التي أقرّتها ذات المنظومة الأممية”.

وتحاول الدبلوماسية الجزائرية حشد المؤسسات الأفريقية من أجل الرمي بثقل القارة في المنتظم الأممي وإرغام المجموعة الدولية على مراجعة توزيع مقاعد مجلس الأمن تنهي من خلاله إنهاء حالة التهميش والغياب الأفريقي عن أكبر هيئة رسمية في العالم إبّان العصر الحديث.

وذكر أن “موقف القارة الأفريقية الموحد يجب أن يؤكد على ضرورة بلورة تصور يمكّن هذه الهيئة الأممية المركزية من النأي بنفسها عن التجاذب والاستقطاب، والتركيز أكثر على الدور المنوط بها والمسؤولية الملقاة على عاتقها وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، مع التأكيد على عملية إصلاح تعيد إلى المجلس فعاليته وقدرته على التحرك في وجه التهديدات المتنامية للسلم والأمن الدوليين”.

وتصاعدت في السنوات الأخيرة الأصوات الرسمية في القارة السمراء الداعية إلى إنهاء حالة التهميش والتغييب الذي يطال القارة السمراء داخل مجلس الأمن، حيث انبثقت ما يعرف بمجموعة العشرة التي أوكل لها الاتحاد الأفريقي مهمة إدخال أفريقيا إلى مجلس الأمن.

وتبحث القمة الخامسة المنعقدة في غينيا الاستوائية سبل الحضور الأفريقي في المجلس وآلياته، حيث لم تتبلور إلى حد الآن خارطة توافقية بين جميع الأطراف، وتدفع عدة عواصم، على غرار الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا، إلى التّوافق على تمثيل موحّد للقارة، بغية أن يكون التمثيل جماعيا وشاملا، بدل أن يكون فرديا ومعرضا لفقدان وزنه بسبب ضغوط القوى الفاعلة داخل المجلس.

وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في تصريحه، بالقول “نحن متفقون جميعا على القول بأن أفريقيا ينبغي أن تتحدث بصوت واحد حول مسألة إصلاح مجلس الأمن وكل المسائل الأخرى التي تخص قارتنا”.

وألمح رئيس الدبلوماسية الجزائرية إلى وجود محاولات لإجهاض هذا المسعى ومقاربة تقسيمية تؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي يعاني منها حاليا مجلس الأمن، ولم يسم أيّ جهة، مما يوحي بوجود أكثر من مقاربة في مسألة التمثيل الأفريقي في مجلس الأمن.

ودعا عطاف إلى موقف مشترك يكون مسارا “سليما وعادلا يلبّي كل انشغالاتنا ومصالحنا المشتركة، وإنه هو السبيل الوحيد للمضي قدما من أجل ضمان أن يكون لصوتنا الجماعي وزن في هذا المسار الرامي إلى تعزيز نظام متعدد الأطراف سليم يقوم على القواعد والمبادئ والمثل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة”.

وأكد في كلمته في القمة على أن “من وجهة نظرنا، يمكن تجاوز هذا المأزق إذا وسّعنا النقاش ليشمل القواعد التي تحكم عمل مجلس الأمن ومسار قراراته وتفاعله مع نظام الأمم المتحدة في مجمله”.