السلفيون يروّجون لانتخاب السيسي بعد فشل سياسة مناكفة النظام

نفاق سياسي

القاهرة

عكست موجات دعم كبيرة من جانب سلفيين في مصر للرئيس عبدالفتاح السيسي والترويج لانتخابه لولاية ثالثة رغبتهم في الحفاظ على الحد الأدنى من الحضور السياسي، وتجنب الإقصاء الكلي من المشهد أو الدخول في صدام مع أجهزة الدولة ما يجعل عناصر التيار تلقى مصير جماعة الإخوان التي جرى تقويضها.

وتجاوز حزب النور، الذراع السياسية للتيار السلفي في مصر، دعم ترشيح السيسي في الانتخابات المقررة مطلع ديسمبر المقبل عبر إعلان تأييده فقط، بل وصل الأمر حد تنظيم لقاءات جماهيرية للترويج لإنجازاته، وهي مرحلة لم يصل إليها السلفيون في الانتخابات الماضية، حيث اكتفوا بإظهار الدعم من خلال بيان مقتضب.

وبات رئيس حزب النور محمد منصور ضيفا في مؤتمرات ينظمها تحالف الأحزاب المصرية المتناغم مع السلطة ويضم كيانات حزبية تعد ظهيرا سياسيا للنظام المصري، وهو تحول واضح يضع السلفيين تحت عباءة الدولة.

وفسّر رئيس حزب النور دعم السيسي بأنه الأجدر بحكم البلاد، والقادر على إنقاذها، مؤكدا أن القرار حزبي وليس فرديا، وتأسس على رؤية شاملة، بعد استطلاع رأي كوادره ووحداته ووجد تأييدا كاسحا للرئيس السيسي كقائد حكيم.

ويكتشف المتابع لحديث قادة حزب النور أن خطابهم يرتقي إلى حد “النفاق السياسي الفج”، وهو ما لم يكن معتادا بهذه الدرجة لدى رموز سبق وأن اتخذوا مواقف مناهضة للسلطة في الكثير من تحركاتها المرتبطة بتكريس مدنية الدولة وتجديد الخطاب الديني.

ويبدو أن السلفيين تعلموا الدرس جيدا بعد أن اعتقدوا أن امتلاكهم قوة ونفوذا وشعبية سيمكنهم من مناكفة النظام الحاكم والضغط عليه بمبارزته على الأرض للوصول إلى أطماعهم السياسية، لكنهم تعرضوا إلى خسائر فادحة جعلتهم يدركون حتمية الاصطفاف خلف السلطة إذا أرادوا الحفاظ على الحد الأدنى من البقاء في المشهد.

ويرتبط ما يفعله حزب النور من تقارب مع السلطة بحالة الضعف التي يعيشها التيار السلفي في ظل تغيرات مجتمعية وسياسية طرأت على الساحة المصرية، ولم تعد السلطة والأحزاب والقوى المدنية ترغب في بقاء ملامح للإسلام السياسي في الشارع.

ويأتي شعور السلفيين بقدر من “الكبرياء” من مبالغتهم في أنهم كانوا جزءا من الشرعية التي تأسس عليها نظام السيسي عندما شاركوا في إقصاء جماعة الإخوان وأيدوا الثورة الشعبية في إسقاط نظام الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم يواجهون مصيرا مجهولا بتكوين شعبية زائفة.

وعندما رفعت دوائر النظام أيديها عن مساعدة السلفيين تعرضوا لهزيمة فادحة في انتخابات مجلس النواب الماضية وحصدوا 12 مقعدا فقط، قبل أن يخوضوا انتخابات مجلس الشيوخ دون الحصول على مقعد واحد، وحينها استفاقوا وشعروا أن بقاءهم في المشهد السياسي يرتبط أساسا بالتقارب مع النظام أكثر من ارتباطه بأشياء أخرى.

ويصعب فصل الدعم الحالي من السلفيين للسيسي ليظل رئيسا لولاية ثالثة عن اقتناعهم بأهمية تقديم مواءمة سياسية تخلو من الخصومة مع السلطة، لأنهم بلا شعبية تمكنهم من تحقيق انتصار في غياب مباركة غير مباشرة من بعض دوائر السلطة.

وقال الباحث والخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي سامح عيد إن اصطفاف السلفيين خلف السيسي أمر طبيعي لأنهم بلا قواعد شعبية ولا يملكون أدوات للمناكفة، وعلى قناعة بإمكانية أن يجلب لهم مكاسب مستقبلا، لكن من المستبعد أن تدخل الدولة في تحالف مع السلفيين أو تمنحهم مكافأة على ذلك.

وأضاف لـ”العرب” أن الدولة المصرية أقوى الآن من أيّ وقت مضى، ووجد حزب النور نفسه مضطرا إلى الانخراط في العملية السياسية بشروط تتوافق مع رؤية النظام، ومهما بلغ دعم السلفيين للسلطة لن تدخل معهم في صفقات للحصول على دعمهم.

وتتعارض توجهات النظام المصري مع النهج السلفي، فهم مضطرون إلى إظهار التأييد لتجنب تعرضهم لمصير الإخوان، فالسيسي يرفض أسلمة الدولة ويتمسك بخطاب بعيد عن تقديس التراث، ويعمل على تكريس مدنية الدولة وإبعاد الدين عن رسم مسار المجتمع.

ومررت الحكومة المصرية تشريعات قانونية وأقرت خططا كرست تحجيم النفوذ السلفي، وعلى الرغم من ذلك لم يجرؤ حزب النور على عدم إعلان دعم السيسي، ما يعزز فرضية بحثه عن البقاء في المشهد بأيّ صيغة كانت، ومن المهم ألا يكون الحزب بعيدا عن الصورة ولو بالعمل في نطاق محدود.

وحاصرت الحكومة حزب النور في بوتقة صغيرة وأبعدت شيوخه عن الخطابة على المنابر الرسمية وشبه الرسمية، لكنها لم تتحرك لإقصائه تماما كي لا تُتهم بأنها تعادي الدين، وتعاملت مع استمرار وجودهم كمصلحة سياسية وفقا لتقديراتها.

ويعكس وقوف السلفيين خلف السيسي بكل قوتهم وقواعدهم عدم وجود جرأة لمعارضة النظام وسط حالة جيدة من الاستقرار السياسي والأمني تعيشها البلاد، فضلا عن صرامة أجهزة الدولة في التعامل مع الخصوم، ما قد يؤدي بالسلفيين إلى أن يخسروا كل شيء، وهي نقطة لا يفضّل قادة التيار الدخول فيها، مهما اشتد حصارهم.

ويرغب حزب النور في الإمساك بشعرة معاوية مع النظام المصري والحفاظ على ماء الوجه أمام الجمهور الإسلامي دون أن ينكشف الغطاء ويبدو بلا سند، لأن قواعده الشعبية تآكلت، والأسلحة الدعوية التي ناكف بها السلطة تلاشت وباتت في يد الدولة.

ولا تمانع الحكومة المصرية في بقاء حزب النور في خلفية المشهد السياسي بشكل محدود، حيث تدرك أن استمرار حضوره يفيدها في الإيحاء رمزيا بوجود تيار إسلامي، ويجنبها استقطاب أتباعه من قبل جماعة الإخوان وفصائل سلفية متشددة متحالفة معها.

وبغض النظر عن المكاسب التي يحصل عليها السلفيون من الاصطفاف خلف السيسي في الانتخابات المقبلة، فمن المؤكد أن الدور الذي قام به حزب النور لتبييض صورة الدولة وأنها لا تستهدف الإسلاميين انتهى بالقضاء على الإرهاب والإخوان معا، ولم تعد السلطة في حاجة إلى السلفية بعد أن فرضت الاستقرار وثبتت أركان الدولة.