الحكومة الكويتية تكسب جولة في معركة الاستجوابات النيابية
تمكّن رئيس الحكومة الكويتية الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، الثلاثاء، من تجاوز استجواب برلماني أجاب عليه بثقة مستندا إلى تضامن حكومي أُعلن عنه خلال الأيام الماضية، ومستفيدا من مناخ التهدئة بين حكومته ومجلس الأمّة والذي أشاعته المرونة الحكومية إزاء المطالبة النيابية بإقرار تشريعات واتخاذ قرارات ذات صبغة اجتماعية، وعززه مرسوم أميري بالعفو عن عدد من المحكوم عليهم بالسجن، وذلك استجابة لمطالب عدد من نواب المجلس.
وأعلن رئيس مجلس الأمّة الكويتي أحمد السعدون عدم تلقيه أي اقتراحات أو طلبات بطرح الثقة بعد انتهاء مناقشة الاستجواب الموجه لرئيس الوزراء من أحد النواب.
وتضمّن الاستجواب الذي تقدّم به النائب مهلهل المضف ثلاثة محاور وهي عدم تبني مشروع سياسي إصلاحي يتناسب مع رؤية أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد، وتخبط السياسات العامة للحكومة، والتهرب من الإجابة عن الأسئلة البرلمانية والتذرع بعدم دستوريتها.
وقال المضف خلال تقديم استجوابه أمام مجلس النواب إن غياب الإصلاح السياسي هو السبب في تصدع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
واعتبر أن خطاب تصحيح المسار (خطاب ألقاه ولي العهد صيف العام الماضي نيابة عن أمير البلاد واعتبر وثيقة تؤطّر عمل السلطات وعلاقاتها ببعضها البعض في مرحلة ما بعد الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك) هو مشروع سياسي يوازي إنجاز دستور سنة 62 لكن يحتاج إلى تطبيق مضامينه.
وانتقد المضف ما اعتبره مماطلة في تحسين معيشة المواطنين، معتبرا أنّ اتخاذ قرارات لتحقيق ذلك لا يحتاج اللجوء إلى البرلمان.
وبشأن ما اعتبره تخبطا في السياسات الحكومية قال المضف “يجب أن تقال الحقيقة ولو كانت قاسية، الموضوع يتعلق بدولة وشعب وثروات ومستقبل أجيال”.
كذلك أثار النائب قضية شغور المناصب القيادية في عدد من مؤسسات الدولة، قائلا إنّ حجم الشغور منذ تولى الشيخ أحمد رئاسة الحكومة بلغ خمسمئة وظيفة قيادية.
وعرّج على تراجع الكويت في المؤشرات الدولية ومن ضمنها مؤشر الديمقراطية قائلا “لدينا دستور يكفل الديمقراطية لكن لا نملك نظاما انتخابيا عادلا ولا تنظيما للعمل السياسي ولا حرية سياسية”، مضيفا “البلد لا يدار بالعواطف بل بتحقيق مصالح الشعب ولا يدار بالمساومات السياسية”.
وتوقّف المضف مطوّلا عند ما سماه تهرب رئيس الحكومة من الإجابة عن الأسئلة البرلمانية والتذرع بعدم دستوريتها.
وأشار بذلك إلى استعانة الشيخ أحمد النواف مؤخّرا برأي إدارة الفتوى والتشريع في سبعة أسئلة وجهها إليه عدد من نواب البرلمان ورأت الإدارة أنها تتضمّن مخالفة للدستور ما يعني عدم إمكانية الإجابة عنها.
وتمثّل الأسئلة البرلمانية إحدى العقد المستحكمة في العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت، حيث تعكس السلطات الكبيرة التي يتمتّع بها النواب ويستخدمونها بشكل مكثّف في تسليط ضغوط لا تكاد تنقطع عن الحكومات التي كثيرا ما أفضت استجوابات نيابية وجّهت إلى أعضائها إلى استقالتها.
ويفسّر ذلك الأهمية القصوى التي اتخذها استجواب المضف للشيخ أحمد النواف، حيث كان يمكن أن يفضي إلى إقالة الحكومة وحلّ مجلس الأمّة.
ولذلك تم التحضير للاستجواب بشكل محكم وأحيطت ظروف إجرائه بمناخ من التهدئة أمّنته المرونة الحكومية في مسايرة المطالب النيابية رغم ما رتّبته تلك المطالب من أعباء مالية إضافية على الدولة.
وقال النائب “هذا المحور تحديدا ندافع من خلاله عن الدستور فما قيمة النائب والمجلس بدون سؤال برلماني، وما قيمة السؤال بدون الاجابة عليه”.
وعلى الطرف المقابل أبدى رئيس الوزراء ثقة في إجابته على محاور الاستجواب مركّزا على ما اعتبره مخالفات دستورية اقترفها النائب في استجوابه.
وأشار في معرض ردّه إلى أنّ المحكمة الدستورية تحصر استجواب رئيس الوزراء في ما يدخل في اختصاصه فقط دون استجوابه عن أي أعمال تنفيذية تختص بها وزارات بعينها، مؤكّدا أنّ “مواد الدستور أكدت ضرورة أن يكون الاستجواب واضحا ومحددا، إلا أن استجواب النائب جاء مخالفا لذلك، لاسيما في شأن التعامل مع برنامج عمل الحكومة الذي تم تقديمه ومناقشته أمام مجلس الأمة”.
وهاجم استجواب النائب معتبرا أنّه “يغلب عليه الأسلوب الإنشائي.. ولم يتضمن الوقائع المثبتة والصريحة بل كان مليئا بالعموميات ولم يتعلق بقضايا وموضوعات تتضمن برنامج عمل الحكومة، وحفل بالعديد من التساؤلات التي تعد ملاحظات والتي وجب توجيهها عند مناقشة الحكومة وليس محلها الاستجواب”.
ولم يستثن رئيس الوزراء الكويتي وجود أغراض شخصية وراء استجواب النائب له، قائلا إنّ الأخير يكرهه ويعمل على تشويه سمعته ويريد رأسه بأي ثمن.
واستدعى ذلك تعقيب النائب على كلام الشيخ أحمد النواف متوجّها له بالقول “لا أعرفك ولا تعرفني ولا يوجد شيء شخصي بينننا. وما بيني وبينك هو الدستور”.
كما اعتبر في تعقيبه أنّ رئيس الوزراء عجز عن تفنيد محاور الاستجواب، معلنا عدم تعاونه مع حكومته.
وبتجاوز استجواب المضف تكون الحكومة الكويتية قد كسبت جولة في معركة الاستقرار التي تخوضها، دون أن يعني ذلك، بحسب المتابعين للشأن الكويتي، أنها كسبت المعركة كلّها وذلك بسبب استنادها في تهدئة الأجواء مع مجلس الأمة إلى تقديم التنازلات، وهو نهج قد يأتي بنتائج عكسية في حال ما رأى النواب في ذلك ضعفا من قبل الحكومة وحاولوا استغلاله لتمرير مطالب تسعى قوى سياسية منذ سنوات لتمريرها وتتضمن في بعض وجوهها إجحافا بحق الدولة والمجتمع، مثل مطالبة الإسلاميين بتغيير قوانين البلاد وفقا لتصوراتهم وأهوائهم.