بالعراق: اقتراب موعد الانتخابات المحلية يؤجج الصراعات بين الزعامات السنية

لا يخفي استخدام ذرائع قانونية لإزاحة عضوين بارزين في العائلة السياسية السنيّة بالعراق، قبيل الانتخابات المحلّية، دور الصراعات الحادة بين القيادات السنية التي لا تستثني في صراعاتها البينية الاستعانة على أبناء جلدتها بالأحزاب والفصال الشيعية المستفيدة دائما من الصراعات التي تمنع بروز زعامات سنية تستطيع منافستها على قيادة البلاد.

نجم الجبوري تذكره "المجتثون" بعد أن خلع بزة العسكر

بغداد

لا تنفي الأسباب القضائية والقانونية المباشرة التي أدّت إلى إزاحة محمّد الحلبوسي من منصب رئيس مجلس النواب العراقي واستقالة نجم الجبوري من منصب محافظ نينوى، دور الصراعات السياسية بين أقطاب المعسكر السياسي السنّي الذي ينتمي إليه الحلبوسي والجبوري في استبعادهما من المنصبين.

وعلى مدى السنوات التي أعقبت سقوط النظام العراقي السابق، أشعل التنافس الحادّ على المناصب السياسية وما خلفها من مكاسب مادّية صراعات حادّة بين عدد من السياسيين السنّة على زعامة المكوّن، الأمر الذي صبّ في مصلحة المعسكر الشيعي بأحزابه وميليشياته وكرّس هيمنته على مقاليد السلطة.

ويتمثّل أوضح تأثير لتلك الصراعات في الحؤول دون بروز زعامات سنّية وازنة تجمع حولها أوسع طيف ممكن من أبناء المكوّن لتشكّل مركز ثقل سياسي يوازي مركز الثقل الشيعي في البلد الذي يدار عن طريق المحاصصة الطائفية والعرقية.

وفي ظرف أقل من نصف شهر ألغيت عضوية الحلبوسي في البرلمان العراقي بحكم من المحكمة الاتحادية العليا بسبب تورّطه في قضية تزوير، ودُفع الجبوري إلى الاستقالة من منصبه بسبب شموله بقانون اجتثاث حزب البعث.

ويعتبر كل من الحلبوسي والجبوري من الشخصيات البارزة داخل المعسكر السياسي السنّي بسبب تحقيقهما لبعض الإنجازات، حيث خلّف الأوّل أثرا تنمويا واضحا في محافظة الأنبار التي سبق له أن شغل منصب محافظ لها وتمكن بفعل ذلك من بناء قاعدة شعبية واسعة، بينما يحسب للثاني أنّه ساهم بفاعلية في المعركة ضد تنظيم داعش من موقعه بالقوات العراقية كقائد لعمليات نينوى.

ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ غياب الحلبوسي والجبوري عن الساحة لن يكون من دون آثار سياسية، خصوصا وأنّ إزاحتهما جاءت قبل أقل من شهر على إجراء الانتخابات المحلية المقرّرة للثامن عشر من شهر ديسمبر القادم.

وفي العراق الذي يناهز عدد سكانه ثلاثة وأربعين مليون نسمة تتمتع مجالس المحافظات بامتيازات مهمة، وتتولى رصد موازنات لقطاعات الصحة أو النقل أو التعليم. ويرى جزء من المعارضة والمجتمع المدني أن هذه المجالس التي يختار أعضاؤها المحافظين تشكل مساحة خصبة للفساد.

وتعدّ السيطرة على المحافظات السنية ضمن الرهانات الكبيرة لتلك الانتخابات، التي لا تقتصر المنافسة على قيادتها على أبنائها فحسب، بل تسعى الأحزاب والفصائل الشيعية كذلك لأن يكون لها موطئ قدم فيها، وذلك حفاظا على مصالح لها أمنية واقتصادية أوجدتها هناك بعد الحرب على داعش.

وتعمل تلك الأحزاب والفصائل على أن تكون على رأس المحافظات السنية شخصيات طيّعة ومتوافقة معها. وعلى هذه الخلفية يرى أنصار الحلبوسي أنّ إزاحته جاءت لفتح الطريق خلال الانتخابات القادمة أمام شخصيات أخرى أكثر تفاهما مع الأحزاب الشيعية.

لكن متابعين للشأن العراقي يرون أنّ للرجل مسؤولية كبيرة في عملية استبعاده، وذلك من خلال ضلوعه في عمليات فساد واستغلال سلطة، بالإضافة إلى دخوله في عداوات كبيرة ومستحكمة داخل العائلة السياسية السنية التي ينتمي إليها.

ويستدرك هؤلاء بأنّ الفساد وحده لا يكفي لاستبعاد أي مسؤول سياسي في العراق، بدليل وجود ملفات فساد أوضح من ملف الحلبوسي، لم يتم فتحها رغم مطالبة الكثيرين بذلك.

بل إن اختيار قضية التدليس لإنهاء عضوية الرجل في البرلمان قد يكون اختيارا مدروسا لتجنّب فتح ملفات فساد كبيرة قد تكون جهات أخرى ضالعة فيها إلى جانبه.

وما ينطبق على رئيس البرلمان المقال ينطبق جزئيا على محافظ نينوى الذي دُفع إلى الاستقالة على خلفية شموله بقانون اجتثاث حزب البعث.

ومع إعلان الجبوري عن تقديم استقالته من منصب محافظ نينوى برز السؤال: لماذا الآن وبعد مضي 23 سنة على سقوط نظام حزب البعث المراد اجتثاثه، وبعد سنوات طويلة قضاها الجبوري في الخدمة ضمن القوات المسلّحة وخاض خلالها الحرب ضد تنظيم داعش، وبعد مضي أربع سنوات على قيادته السلطة المحلية في نينوى؟

وكما الحلبوسي كان بالإمكان إزاحة الجبوري من منصب المحافظ بسبب قضايا فساد وعثرات في إعادة إعمار المحافظة المدمّرة جراء حرب داعش، لكن وقع الاختيار على ملف الاجتثاث لضمان عدم فتح أي ملفّات من شأنها أن تورّط معه أطرافا أخرى.

وتقول مصادر محلية من نينوى إن أوضح الملفات التي كان يمكن أن يقال بسببها الجبوري ويخضع للمحاسبة، فتحه الباب أمام الميليشيات للتدخّل في الحياة الاقتصادية في المحافظة وخصوصا في مشاريع الإعمار عن طريق مكاتب اقتصادية فتحتها هناك، وتمارس عن طريقها عمليات احتيال وابتزاز واسعة النطاق للأهالي بمن فيهم التجار ورجال الأعمال.

وتؤكّد المصادر ذاتها أن العامل الحاسم في دفع محافظ نينوى إلى الاستقالة هو دخوله في صراعات حادّة مع شخصيات سياسية سنية نافذة.

ولعل المنعطف الأهم في مسار نجم الجبوري هو انشقاقه عن حزب تقدم بقيادة محمد الحلبوسي والتحاقه بحركة حسم بقيادة ثابت العباسي الذي كان يعوّل عليه لخوض الانتخابات المحلية في المحافظة والاستفادة من النفوذ الذي أسسه هناك خلال توليه منصب المحافظ.

غير أنّ أحزابا سنية منافسة سعت لعرقلة مسعى العباسي وقامت بالتعاون مع أحزاب شيعية بتحريك قضية الاجتثاث مجدّدا بعد أن تمّ تناسيها والتغاضي عنها طيلة السنوات الماضية.

ولم يجد محافظ نينوى مناصا من تقديم استقالته التي قبلها رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، وذلك بعد أن ردّ مجلس النوّاب التوصية التي أقرّها مجلس الوزراء في أكتوبر الماضي بأن يتم استثناء الجبوري من إجراءات المساءلة والعدالة.

وفي رسالة استقالته التي نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال الجبوري إنه تشرف لمدة أربع سنوات بشغل منصب محافظ نينوى وإنه “لم يدخر جهدا للحفاظ على أمنها واستقرارها”، مضيفا أنه عمل “على إعادة إعمارها بعد تدميرها على يد عصابات داعش”.

وعلى الطرف المقابل بدا الاحتفاء واضحا لدى الخصوم والمنافسين السنة باستقالة الجبوري واستبعاد الحلبوسي من البرلمان.

وقال أثيل النجيفي المحافظ الأسبق لنينوى إنّ إقصاء محمّد الحلبوسي واستقالة نجم الجبوري يعنيان أن الوضع السياسي في نينوى قد تم تصفيره استعدادا لمرحلة قادمة.

وأضاف في تعليق عبر منصّة إكس “انتخابات مجالس المحافظات ستفرض قوة جديدة تضم أغلب المرشحين الأقوياء، ولا يهم مع أي القوائم رُشحوا ولكن أغلبهم سيندمجون بعد الانتخابات في وضع سياسي يُرضي أهل نينوى لأنهم ببساطة يبحثون عن وسيلة تمكنهم من النجاح من جديد”.

لكنّ نشطاء من نينوى ردّوا على تعليق النجيفي بالقول إنّه ينطوي على تبسيط مخلّ لما تواجهه المحافظة من معضلات لا يمكن حلّها بمجرّد إزاحة محافظ والمجيء بآخر، معتبرين كلام المحافظ الأسبق مجرّد احتفاء بسقوط خصم من المكوّن نفسه.