من كان خميني وكيف سرق الثورة الإيرانية (2)
فحتى عام بعد ذلك أي تشرين الأول (أكتوبر) عام 1965 لم يشاهد منه حتى سطر واحد من اتخاذ الموقف ضد نظام الشاه. بل وكان يسعى للعودة إلى إيران متعهدًا بأنه لن يعترض على أحد أو شيء وذلك بواسطة وسطاء من العاملين في بلاط الشاه ومنهم المدعو «خوانساري»
فترة العيش في المنفى
لقد تم نفي خميني إلى تركيا في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1964.
فحتى عام بعد ذلك أي تشرين الأول (أكتوبر) عام 1965 لم يشاهد منه حتى سطر واحد من اتخاذ الموقف ضد نظام الشاه. بل وكان يسعى للعودة إلى إيران متعهدًا بأنه لن يعترض على أحد أو شيء وذلك بواسطة وسطاء من العاملين في بلاط الشاه ومنهم المدعو «خوانساري» وكذلك عبر ابنه مصطفى خميني. ويقول شقيقه (بسنديده) في مذكراته: «إن المدعو جليلي كرمانشاهي الذي كان من حاشية «شريعت مداري» أبلغ الحكومة بأنه ليس من المصلحة بقاء خميني في تركيا ويجب التخطيط لإعادته. ولكن رجال الدولة لم يكونوا يعتبرون من المصلحة عودة الإمام إلى إيران، فلذلك وبعد محادثات ومشاورات بينهم وبين “بيراسته” سفير إيران في بغداد آنذاك والذي كان موضع ثقة تامة لدى الشاه ارتأى بيراسته أن يتم نفي خميني إلى النجف» (كتاب «مسايرة الشمس» – المجلد الأول – الصفحة 42). فأقام خميني في العراق من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1965 إلى تشرين الأول (أكتوبر) عام 1978 أي لمدة 13 عامًا.
خميني في العراق
يمكن تقسيم هذه السنوات الـ 13 إلى 3 فترات محددة ومنفصلة تمامًا بعضها عن البعض: – فترة التعب والاعتزال من عام 1965 إلى عام 1971 أي لمدة 6 سنوات.
– فترة الأفول والغياب بعد اندلاع الكفاح المسلح أي من عام 1971 إلى 1977.
– فترة الظهور متأثرًا بمجيء كارتر وحدوث الانفتاح السياسي في نظام الشاه من عام 1977 إلى عام 1978، ووصول خميني إلى السلطة. الأولى: فترة التعب والاعتزال
كتب خميني في عامي 1965 و1966 رسالتين أو رسائل خاصة إلى كل من منتظري ونجفي مرعشي، كما ألقى خطابًا واحدًا أيضًا.
فقدم خميني في هذه الرسائل والخطاب نصيحة لملوك ورؤساء البلدان الإسلامية بأن «عليهم أن يتآخوا معًا»! من دون الإشارة إلى نظام الشاه أو إبداء أي اعتراض عليه! – في عام 1967 قدّم خميني تظلمًا (شكوى) إلى «هويدا» رئيس وزراء الشاه، كاتبًا إليه ومتسائلاً: «ما ذا ذنب علماء الإسلام الذين هم حماة استقلال البلدان الإسلامية وسيادتها الإقليمية غير تقديم النصيحة؟».
– من عام 1967 إلى عام 1971 وجه خميني 6 رسائل خاصة ورسالتين قصيرتين فقط (إحداهما إلى الحجاج والأخرى إلى الحكومات والشعوب الإسلامية)، كما أجرى حوارًا مع ممثل لحركة «فتح» حول دعم مجاهدي فتح. ولكنه التزم الصمت حيال جميع القضايا والوقائع التي حدثت خلال هذه الفترة في إيران بدءًا من إعدام منفذي عملية اغتيال «حسن علي منصور» رئيس وزراء الشاه ووصولاً إلى الاحتفالات لمناسبة تتويج الشاه بالإضافة إلى مظاهرات الطلاب واستشهاد البطل «تختي» ومظاهرات الطلاب عام 1969.
تزلف لنظام الشاه
– بل وبدلاً من ذلك وبكل خبث ولؤم وتزلفًا لنظام الشاه يقوم بتخطئة العملية البطولية لمنظمة فدائيي الشعب في منطقة «سياهكل» (في غابات الشمال الإيراني) وكذلك شهداء هذه العملية الذين استشهدوا على أيدي جلادي الشاه حيث يكتب في رسالة إلى الجمعيات الإسلامية في خارج البلاد آنذاك قائلاً: «لا تنخدعوا ولا يغرر بكم بافتعال الاستعمار أحداثًا في البلدان الإسلامية منها حادث “سياهكل” وأحداث تركيا».
مجاهدي خلق
كما وفي عام 1970 وبعد ما اعتقلت مجموعة من مجاهدي الشعب الإيراني في دبي وهم في طريق عودتهم إلى قواعد الثورة الفلسطينية تقرر نقل المجاهدين المعتقلين على متن طائرة إلى إيران لتسليمهم لنظام الشاه، إلا أن المجاهدين أجبروا الطائرة على تغيير مسارها والهبوط في مطار بغداد. فكانت الحكومة العراقية التي لم تكن تعرف آنذاك شيئًا عنمنظمةمجاهدي خلقالسرية تخشى أن يكون نظام الشاه قد حبك مؤامرة ضدها، فلذلك قامت باعتقال محوّلي مسار الطائرة.
ففي طهران طرح «سعيد محسن» أحد مؤسسي منظمة مجاهدي خلق هذه القضية على المرحوم آية الله طالقاني فكتب رحمه الله رسالة بالحبر غير المرئي إلى خميني ليتوسط لدى الحكومة العراقية حتى تقوم بإطلاق سراح المجاهدين السجناء. فامتنع خميني حتى عن تعريف بسيط للمجاهدين لدى الحكومة العراقية وإطلاعها على الرسالة الخطية لآية الله طالقاني.
ففي هذا المجال كتب الملا دعائي الذي كان يرافق خميني في النجف يقول: «كانت هذه الرسالة قد كتبت بصورة غير مرئية… وعند ما جئت إلى الإمام فأظهروا ما كتب على ورقة الرسالة. فكان آية الله طالقاني ولطمأنة الإمام وسب ثقته بالرسالة قد روى له في الرسالة ا إحدى ذكرياته مع الإمام وآية الله زنجاني… كان السيد طالقاني قد قصد من هذه الرسالة أن يطالب الإمام المسؤولين العراقيين بأن يفرجوا عن هذه المجموعة. فعلى أية حال وبعد كل هذه القضايا، قال الإمام: “علي أن أفكر في الأمر”». فغداة ذلك اليوم يقول خميني لـ «دعائي»: «حتى إن يكن الآن السيد طالقاني والسيد زنجاني قد جلسا في هنا ويقل لي كلاهما هذا الكلام وجاهًا، فلن أقبله». وكتب الملا «دعائي» حول تعبير آية الله طالقاني عن المجاهدين قائلاً: « في رسالته إلى الإمام كان المرحوم آية الله طالقاني قد استند إلى آية قرآنية شريفة وهي: «إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى» أي الآية التي تصف فتية أصحاب الكهف. ولكن ما لم يقم به خميني أي تعريف المجاهدين السجناء للحكومة العراقية فقام به فورًا ياسر عرفات وممثله في بغداد فبعد مدة تم إطلاق سراح إخواننا الذين كان بينهم البطل الشهيدموسى خيابانيأيضًا… ثم حلت سنة 1971 التي ظهر فيها المجاهدون في العلن على الساحة الإيرانية كقوة ثورية مسلمة ذات شعبية وبريق اجتماعي واسع حيث بدأ حقًا عهد الأفول السياسي والعقائدي لخميني. هنا أنقل حرفيًا عبارات عن الصفحة 163 من المجلد الثالث لكتاب بعنوان «مسايرة الشمس» الذي أصدره نظام الملالي نفسه ويتضمن السيرة الذاتية لخميني، فيكتب أحد أفراد حاشية خميني في هذا المجال يقول: «… في تلك الأيام كانت الأجواء لصالح مجاهدي خلق بحد يمكن القول إن أدنى انتقاد قد يوجه إليهم كان محكومًا بالفشل والرفض الشديد. أعرف كثيرًا من الأشخاص كانوا يعتقدون أن دور الإمام في النضال وفي الحركة قد انتهى وأن الإمام وبعدم تأييده لمجاهدي خلق قد وقّع في الحقيقة شهادة هزيمته. هؤلاء الأشخاص كانوا مقتنعين بأن الإمام قد أزيح عن ساحة النضال وقد حان الوقت الآن لأن تقود منظمة مجاهدي الشعب الإيراني حركة النضال والثورة في إيران. في الحقيقة كانت هذه المجموعة قد حققت شعبية لدى الجمهور الإيراني وكان الإمام يعرف ذلك. كل يوم كانت رسالة تصل إلينا من إيران بأن: “مكانتكم قد انحسرت ودوركم بدأ ينسى في أذهان المواطنين. إن المجاهدين بدأوا يحلون محلكم”…». نص رسالة منتظري إلى خميني بتاريخ 15 صفر عام 1392 الهجري (عام 1972 الميلادي):
«حضرة آية الله العظمى… مد ظله العالي
بعد تقديم السلام والتحية، أحيطكم علمًا وكما تعرفون بأن عددًا كبيرًا من الشبان المسلمين والمتدينين يعيشون قيد السجن وأصبح عدد منهم عرضة لخطر الإعدام. إن التزامهم القوي بالشعائر الإسلامية ومعلوماتهم الواسعة والعميقة عن الأحكام والمعتقدات الدينية معروفة ولفتت أنظار جميع السادة ورجال الدين. وقام بعض من مراجع التقليد ومجموعة من علماء الدين في البلاد بتحركات لتخليصهم من السجن وقد كتبوا رسائل وبيانات في هذا المجال. فلذلك ينبغي ويستحق الأمر أن تقوم فخامتكم بإصدار شيء ما تأييدًا ودعمًا لهم وحقنًا لدمائهم. هذا الأمر ضروري في الظروف الراهنة لأن معارضينا يحاولون تصويرهم منحرفين. علمًا بأن طبيعة هذا التأييد والدعم تعتمد على رأي فخامتكم. وفي الختام ألتمس الدعاء بالخير من حضرتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته – حسين علي منتظري
وهنا وفي هذه المرحلة وحتى لا يتأخر خميني من مواكبة الأحداث،أصدر فتوى بـ «تخصيص ثلث نصف الخمس الشرعي لعوائل السجناء والشباب المسلم والوطني» ولم يكن المقصود منهم سوى المجاهدين. – وكان رفسنجاني الشخص الذي عندما اطلق سراحه من السجن بداية عام 1972 يباهي بكونه مؤيدًا للمجاهدين ويقول للحشد الذي زاره في بيته الواقع في منطقة قلهك بطهران بوضوح اننا كنا نحاول في السجن أن نتعلم القرآن من المجاهدين و«اذا قبل رب العالمين صلواتنا فانها هي الصلوات التي أقمناها مقتدين بالمجاهدين في السجن».
وكان عدد كبير من الرؤوس الحاليين لنظام الملالي في تلك السنوات يفتخرون بانهم حضروا إحدى الجلسات التعليمية العقائدية للمجاهدين داخل السجون أو خارجها.وكان يقول «مطهري»:ان تأهيل الكوادر الانسانية المناضلة ليس مهمة أقدر عليها أنا بل انمحمد حنيف نجادهو القادر على انجازه».كان بهشتي وخامنئي يباهيان بلقائهما بحنيف نجاد.وحتى بعد انتصار الثورة المعادية للملكية وإلى نهاية العام الايراني 1359 (بداية عام 1981)كان يلتقي خامنئي نفسه كل أيام الخميس مساءًا بأخينا ابوالقاسم رضائي (نائب السكرتير الأقدم للمجلس الوطني للمقاومة ) باستمرار حتى يطلع حسب قوله « على المواقف والتحاليل وحيثياتها».واختصر الكلام هنا عن تفاصيل عبارات الحب والولاء التي كان يعبر عنها كل من مهدوي كنيو موسوياردبيلي ورباني شيرازي وصدوقي وعشرات ومئات من الملالي الكبار والصغار وكذلك اشخاص من أمثال كروبي الذين لا أحد يقيم لهم وزنًا تلك الأيام.
بل أكتفى بالقول بان جاذبية المجاهدين ومكانتهم في القلوب كانتا كبيرتان بحيث ان رفسنجاني نفسه قال عام 1975 لممثل المجاهدين فيدمشق ان خميني لا يستطيع حتى شرب كأس من الماء دون الاستعانة بالمجاهدين! ولكن بعد الردة الانتهازية المتشدقة باليسار التي تعرضت لها منظمة مجاهدي خلق وأدت الى تلاشي المنظمة خلال سنوات 1975 حتى عام 1977، وجد خميني مجالاً للتنفيس عن حقده وفرصة مغتنمة له لاستغلال الظرف: – في تشرين الأول عام 1977 حذر من القراءات الخاطئة عن القرآن مؤكدًا في إحدى محاضراته: «لقد ظهرت جماعة تقول ان مبدأ الاحكام الاسلامية كلها تعود الى تحقيق غاية وهي اقامة العدالة الاجتماعية ،وامحاء الطبقات،وتقصد بان الإسلام لا يحتوي على شيء آخر سوى هذه الغاية و«الوحدانية التوحيدية »التي يتحدث عنها «الاسلام» ليست سوى معايشة متكافئة للأمم بالعدل والمساواة وهذه حياة حيوانية متساوية ،وتقصد بهذه المساواة أن يرتع الأناس رتع المواشي في المراتع سواسية دون الاهتمام والعناية بالغير حتى يأكل الكل من معلف واحد…
ويقول المحسوبون على هذه الجماعة … لا يوجد هناك شيء آخر.. فقد جاء الاسلام ليؤهل إنسانًا لا ينتمي الى طبقة اجتماعية هذا وبس! اي كما يتم تربية الحيوان.. ويقولون إن الرسالة الاسلامية جاءت لتؤهل الانسان ولكن انسانًا دون طبقات…».
ان هذه التخرصات ليست سوى لملومًامن الأمية والجهل والغباء والدجل لملا مشعوذ وجد فرصته بعد سنوات من الخمول والعزوف عن النضال ومتزامنًا مع تولي كارتر رئاسة الجمهورية في أميركا وحدوث مناخ سياسي منفتح في نظام الشاه. وحتى ذلك الوقت اي من عام 1971 حتى عام 1977 اي طيلة سبع سنوات كان خميني وبشق الأنفس! قد أصدر ما مجمله 11 بيانًا فحسب.والواقع أنه وبعد الاحتفالات التي أقامها الشاه لمناسبة مرور 2500 عامًا على الحكم الشاهنشاهي وألقى خميني كلمة ضدها، كان خميني قد التزم الصمت طيلة ستة أعوام غير أن لهجته وبتأثير من المجاهدين كادت تصبح أكثر صرامة ضد نظام الشاه.
يتبع