خامنئي في مواجهة المجتمع المتفجّر: هاجس السلطة في عام الأزمات
خامنئي في مواجهة المجتمع المتفجّر: هاجس السلطة في عام الأزمات

مع بداية العام الإيراني الجديد، يجد النظام الإيراني بقيادة خامنئي نفسه محاصَرًا من كل الجهات بسلسلة من الأزمات المتزامنة التي تضرب عمق سلطته وشرعيته. من مفاوضات معقّدة مع الولايات المتحدة إلى التصدّع المتزايد داخل تركيبة النظام

خامنئي في مواجهة المجتمع المتفجّر: هاجس السلطة في عام الأزمات
مع بداية العام الإيراني الجديد، يجد النظام الإيراني بقيادة خامنئي نفسه محاصَرًا من كل الجهات بسلسلة من الأزمات المتزامنة التي تضرب عمق سلطته وشرعيته. من مفاوضات معقّدة مع الولايات المتحدة إلى التصدّع المتزايد داخل تركيبة النظام، ومن انهيار المحور الإقليمي الذي بناه عبر وكلائه إلى التآكل المتسارع في قاعدته الاقتصادية، كلّها عوامل تسير نحو نقطة التلاقي والانفجار.
لكن وسط هذا التعدد في مصادر التهديد، تظهر بوضوح حقيقة الهاجس الأول لخامنئي: الخوف من المجتمع الإيراني الغاضب، المترقّب لانفجار شامل نتيجة الفقر والقمع والفوارق الطبقية. فمهما كان مصير المفاوضات مع الغرب، فإن القلق الذي يسيطر على قادة النظام، وتحديدًا خامنئي، يتمحور حول ردّ فعل المجتمع على نتائج هذه المفاوضات، وما يمكن أن تشكّله من شرارة تشعل فتيل غضب مكبوت منذ عقود.
في هذا السياق، يُفهم لجوء النظام إلى تصعيد الإعدامات بشكل متزامن مع انطلاق المفاوضات. إنها رسالة مدروسة إلى الداخل، تهدف إلى إرهاب المجتمع وكبح أيّ تحرّك محتمل. فالتجربة علّمت السلطة أن الانفجارات الكبرى لا تنتظر طويلًا، ولا تُنذر قبل وقوعها.
الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد اليوم ليست مجرّد خلل في الإدارة أو نتيجة العقوبات فحسب، بل هي ثمرة نموذج سلطوي يعتمد على احتكار الثروات وخلق طبقة فاحشة الثراء بجوار ملايين المعدمين. الفجوة الطبقية اليوم لم تعد مجرّد رقم في تقارير الخبراء، بل تحوّلت إلى واقع يومي يعيشه المواطن في كل لحظة، بين أسعار الغذاء المبالغ فيها وأجور لا تكفي لأبسط ضرورات الحياة.
خامنئي يدرك أن هذا الوضع غير قابل للاستدامة. والمفارقة أن التحذيرات لم تأتِ من المعارضة وحدها، بل حتى من داخل الإعلام الرسمي للنظام. صحيفة آرمان ملي تنقل عن أحد أساتذة الاجتماع السياسي أن الاستقطاب الاجتماعي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، وبات ظاهرًا للسلطة نفسها. هذا الإقرار، بحدّ ذاته، يعكس مدى الانكشاف الداخلي أمام واقع لم يعد قابلاً للإخفاء.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه السلطة إلى احتواء مفاعيل هذا الاحتقان، تتحدث وزارة الداخلية علنًا عن محاولة منع “تأزيم الظواهر الاجتماعية” وتحوّلها إلى تهديدات أمنية. لكن هذه الجهود، التي لا تملك سوى أدوات القمع والمنع، تبدو أقرب إلى هروب إلى الأمام، منها إلى معالجة حقيقية.
أما صحيفة آرمان امروز فقد ربطت بوضوح بين الفجوة الطبقية وازدياد العنف في المجتمع، مؤكدة أن المصدر الرئيسي لهذا الغليان هو الاختناق الاقتصادي وغياب الأفق. كذلك، صحيفة جهان صنعت سلطت الضوء على تفكك القدرة الشرائية للمواطن، حيث بات شراء الفاكهة والخضار بالقطعة مشهدًا مألوفًا. هذه ليست مجرّد مظاهر فقر، بل إشارات حادّة إلى تفكك العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع.
ما يجعل هذا الوضع أكثر خطورة هو أن المجتمع، الذي عاش لسنوات طويلة تحت القمع والاستنزاف، بدأ يدرك أن لا مخرج له سوى المواجهة. وهنا تكمن خطورة اللحظة الراهنة: الأزمات تتقاطع، الصراع الداخلي يتصاعد، والثقة في النظام تتآكل.
الخلاصة أن خامنئي لم يعد يخشى الخارج بقدر ما يخشى الداخل. التهديد الحقيقي لسلطته لا يأتي من واشنطن ولا من تل أبيب، بل من شوارع طهران، وأحياء مشهد، وأزقة الأهواز. هذا هو القوس الذي تنحني تحته كل الحسابات: شعب جائع، مسحوق، ومقهور… لكنه لم يعد صامتًا.
ولذلك، فإن ما يشغل خامنئي في هذه المرحلة ليس فقط مستقبل الاتفاق النووي، بل كيفية منع المجتمع من التحوّل إلى ساحة اشتعال. لكن في ظلّ هذا الاحتقان، ومع غياب أيّ أفق للإصلاح، لا تبدو سياسة الإعدامات والقمع كافية لإيقاف زحف الغضب الشعبي. فالأزمات التي أفرزها النظام بنفسه، باتت اليوم تدق أبوابه وتطالبه بالرحيل.