إيران على صفيح ساخن: موجة احتجاجات عارمة تكشف عن أزمات اقتصادية متفاقمة وسوء إدارة
إيران على صفيح ساخن: موجة احتجاجات عارمة تكشف عن أزمات اقتصادية متفاقمة وسوء إدارة

شهدت المدن الإيرانية في 20 مايو/أيار 2024 موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات التي عكست حالة الغليان الشعبي إزاء تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمات الاقتصادية. من ماهشهر جنوبًا إلى تبريز شمالًا، مرورًا بقائم شهر وشيراز وخرم آباد وكرمانشاه وطهران

إيران على صفيح ساخن: موجة احتجاجات عارمة تكشف عن أزمات اقتصادية متفاقمة وسوء إدارة
شهدت المدن الإيرانية في 20 مايو/أيار 2024 موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات التي عكست حالة الغليان الشعبي إزاء تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم الأزمات الاقتصادية. من ماهشهر جنوبًا إلى تبريز شمالًا، مرورًا بقائم شهر وشيراز وخرم آباد وكرمانشاه وطهران، رفع المواطنون، من عمال وخبازين ومتقاعدين وعائلات سجناء، أصواتهم مطالبين بحقوقهم الأساسية ومحتجين على سياسات حكومية وصفوها بـ”الكارثية”. هذه الاحتجاجات، التي اتسمت بالتنوع في أسبابها، تشير إلى عمق الأزمة التي تضرب البلاد وتطال مختلف شرائح المجتمع.
تعددت أسباب الاحتجاجات في أنحاء إيران، لكنها جميعًا تصب في خانة التدهور الاقتصادي وسوء الإدارة الحكومية:
- احتجاج عمال بتروكيماويات “ثمين سلمان الفارسي” في ماهشهر: تجمّع عمال الشركة في المنطقة الاقتصادية الخاصة بمدينة ماهشهر احتجاجًا على عدم زيادة رواتبهم ومزاياهم لعام 2024. ففي ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتكاليف المعيشة بشكل جنوني، بقيت أجورهم ثابتة، مما أدى إلى تآكل قدرتهم الشرائية ومعاناتهم من ضغوط اقتصادية شديدة.
- تجمع الخبازين في قائم شهر: احتج الخبازون في قائم شهر على مشكلتين أساسيتين: الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي يتسبب في خسائر فادحة لهم وتوقف عمل الأفران، ومشروع “نانينو”، وهو نظام إلكتروني جديد لإدارة توزيع الخبز، اعتبروه معقدًا وغير عملي ويزيد من أعبائهم الإدارية.
- احتجاج عمال وصناعيي مدينة شيراز: قام عمال وصناعيون في المنطقة الصناعية بشيراز بقطع طريق رئيسي احتجاجًا على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. فقد تسبب هذا النقص في إمدادات الطاقة في توقف الآلات والخطوط الإنتاجية، مما ألحق خسائر فادحة بمصانعهم وورشهم وهدد مصدر رزقهم.
- تجمع الخبازين في خرم آباد: احتشد الخبازون من مختلف مدن محافظة لرستان أمام مبنى المحافظة، معترضين على انخفاض أسعار الخبز في المحافظة مقارنة بالمحافظات المجاورة، بالإضافة إلى عدم حصولهم على الدعم الحكومي، مما يجعلهم غير قادرين على تغطية تكاليف الإنتاج المتزايدة.
- احتجاج المتقاعدين في كرمانشاه: تجمع متقاعدون من القطاعات الحكومية والتأمين الاجتماعي والاتصالات والصحة والعلاج أمام صندوق التقاعد الوطني، معربين عن غضبهم من تردي أوضاعهم المعيشية وعدم تلبية مطالبهم، متهمين المسؤولين بالفساد وسوء الإدارة، ومرددين شعارات تعكس استيائهم من الوعود غير المحققة.
- إغلاق المخابز في تبريز: أغلقت نسبة كبيرة من المخابز في تبريز أبوابها احتجاجًا على الارتفاع الكبير في أسعار الدقيق (الذي تضاعف سعره)، واصفين سياسات الحكومة بـ”الكارثية” وعدم كفاءة المسؤولين في التعامل مع الأزمة، مما أثر بشكل مباشر على قدرتهم على مواصلة العمل.
نظرة عامة على الوضع الاقتصادي في إيران:
تعكس هذه الاحتجاجات المستمرة والواسعة النطاق صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في إيران، الذي يواجه تحديات جمة أدت إلى طريق مسدود للحكومة والشعب على حد سواء. يمكن تلخيص الأسباب الجذرية لهذه الأزمات في عدة نقاط:
- الفساد الحكومي المستشري: يُعد الفساد أحد أهم العوامل التي تنهك الاقتصاد الإيراني. فالاستيلاء على الموارد وسوء إدارتها من قبل المسؤولين يقلل من الكفاءة ويحرم القطاعات الحيوية من الاستثمارات الضرورية، مما ينعكس سلبًا على معيشة المواطنين.
- استنزاف الموارد في الصراعات الإقليمية: بدلاً من توجيه الموارد نحو التنمية الداخلية وتحسين حياة المواطنين، تُنفق الحكومة الإيرانية مبالغ طائلة على دعم وكلاء لها في الصراعات الإقليمية وتصدير ما يُوصف بـ”الإرهاب”. هذه السياسات تستنزف الخزينة العامة وتضعف البنية التحتية للبلاد.
- المغامرات النووية: أدت المغامرات النووية للنظام الإيراني إلى فرض عقوبات دولية مشددة، أدت إلى عزل الاقتصاد الإيراني عن الأسواق العالمية، وقطع قنوات الاستثمار الأجنبي، وتقييد التجارة الدولية، مما فاقم الأزمات الاقتصادية الداخلية.
- بنوك الطاقة والمياه: تواجه إيران أزمات متفاقمة في قطاعي الكهرباء والمياه. الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، كما رأينا في احتجاجات الخبازين والصناعيين، تؤثر سلبًا على الإنتاج والصناعة والحياة اليومية. كما أن الإدارة غير المستدامة للموارد المائية أدت إلى جفاف وندرة في العديد من المناطق، مما يهدد الأمن الغذائي والاجتماعي.
- التضخم والركود: تعاني البلاد من معدلات تضخم مرتفعة تلتهم الرواتب وتخفض القوة الشرائية للمواطنين، بينما يعاني الاقتصاد من ركود يحد من فرص العمل ويزيد من معدلات البطالة.
تشكل هذه الاحتجاجات جرس إنذار حادًا للنظام الإيراني بأن الصبر الشعبي قد نفد. فقد أصبح واضحًا للمواطنين أن هذا النظام لا يريد ولا يستطيع حل مشاكلهم المتراكمة. إن التحديات الاقتصادية المعقدة، التي تفاقمت بفعل الفساد والسياسات الخارجية المكلفة، لن تُحل إلا من خلال إقامة حكم شعبي يعالج هذه الأزمات بجذرية وشمولية.



