هل كسبت أوبك في عيدها الستين ود الولايات المتحدة

السعودية تتصدر منتجي النفط في أوبك منذ عشرات السنين مما يمنحها أكبر نفوذ في توجيه سياسة المنظمة غير أن تحييد إيران وفنزويلا ساهم أيضا في تعظيم نفوذها.

الرياض تحاول منظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك) اغتنام مناسبة الاحتفاء بمرور ستة عقود على تأسيسها، والذي صادف الاثنين، من أجل كسب أصدقاء جدد وخاصة كسب ود الولايات المتحدة التي لا تزال تنتقد سياسات هذا الكيان خاصة مع ولادة تحالف أوبك بلس، الذي قد يكون هو من يقود المنتجين مستقبلا إذا توصل جميع الأعضاء إلى الاتفاق على ذلك. ومرت المنظمة بمراحل تاريخية بين الأخذ والرد مع واشنطن، ففي العام 1973، أخذت الدول العربية الأعضاء في أوبك من الخطوات ما أدى إلى تركيع الاقتصاد الأميركي. أما الآن، وبعد مرور 60 عاما على إنشائها، فالأرجح أن تمتثل لتعليمات واشنطن. ومنذ فرضت السعودية والدول العربية الأخرى الأعضاء في أوبك حظر النفط الشهير ردا على الدعم الأميركي لإسرائيل خلال حرب أكتوبر، أدت التحولات في السياسة العالمية وزيادة الإنتاج النفطي الأميركي إلى ترويض المنظمة. ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في أوبك إن الدولتين الأكثر تشددا من بين أعضاء أوبك، إيران وفنزويلا، حيدتهما العقوبات الأميركية في حين برهنت السعودية أكبر الأعضاء على أنها تفضل استرضاء واشنطن على المجازفة بفقدان الدعم الأميركي. وفي حين قاومت أوبك كتكتل الضغط الأميركي لخفض أسعار النفط على مدار عشرات السنين، لاسيما في عام 2011 خلال الانتفاضة على حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، فإن سجلها في السنوات الثلاث الأخيرة اتسم إلى حد كبير بالاستسلام. ومنذ إعلان تأسيس المنظمة في الـ14 من سبتمبر 1960 في العاصمة العراقية بغداد للتصدي لنفوذ سبع شركات نفطية أميركية وبريطانية، وحتى تولى الرئيس دونالد ترامب السلطة في مطلع 2017، أذعنت أوبك أكثر من مرة لضغوط من واشنطن لزيادة ضخ النفط. وقد دأب ترامب على الدعوة لخفض أسعار البنزين بما يفيد المستهلكين الأميركيين، ولكن ماذا عن تحالف أوبك بلس، الذي ظهر إلى العلن بعد أن انهارت أسعار النفط صيف 2014، وكيف سيواجه الضغوط الأميركية مستقبلا، وهل هناك ما يدعو إلى التفاؤل بوجود صديق متفهم مثل الولايات المتحدة. والظاهر أنه عندما انخفضت هذا العام أسعار النفط بشدة دون المستوى، الذي تحتاج إليه شركات النفط الأميركية لتحقيق أرباح، توصلت أوبك إلى صفقة لرفعها قليلا من خلال اتفاق كان الحافز وراءه تهديد واشنطن بتقليل دعمها العسكري للرياض. وقال شكيب خليل الذي شغل منصب وزير النفط الجزائري على مدى عشر سنوات وكان رئيسا لأوبك في 2001 و2008 في تصريحات للوكالة رويترز إن “ترامب يطلب من السعودية ما يحتاجه لسعر النفط ويحصل على مراده.. فعلا أوبك تغيرت”. وحتى الآن، تتصدر السعودية منتجي النفط في أوبك منذ عشرات السنين، مما يمنحها أكبر نفوذ في توجيه سياسة أوبك، غير أن تحييد إيران وفنزويلا ساهم أيضا في تعظيم نفوذها، فقد انخفض نصيب إيران من إنتاج أوبك إلى النصف تقريبا ليبلغ 7.5 في المئة منذ 2010 في حين انهار نصيب الإنتاج الفنزويلي إلى 2.3 في المئة من نحو 10 في المئة، أما نصيب السعودية فقد ارتفع سبع نقاط مئوية إلى 35 في المئة. ويؤكد محللون ومراقبون لما يحدث داخل كواليس هذا الكيان أن إيران وفنزويلا، اللتان شاركتا في تأسيس أوبك مع العراق والكويت والسعودية، دأبتا على معارضة أي تحركات لخفض أسعار النفط في مواجهة الضغوط الأميركية. وتزامن تزايد النفوذ السعودي داخل المنظمة مع ارتفاع الإنتاج الأميركي من النفط والغاز، وهو ما جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم وخفض اعتمادها بشدة على استيراد الوقود من الخارج، حيث زاد إنتاجها لأكثر من مثليه خلال عشر سنوات ليتجاوز 12 مليون برميل يوميا العام الماضي، وفقا لإدارة معلومات الطاقة، إذ سهل تحسن تكنولوجيا الحفر الاستفادة من أحواض كان من الصعب استخراج النفط منها. وتظهر أرقام أوبك أن نصيب الولايات المتحدة من سوق النفط العالمية تضاعف منذ العام 2010 في الوقت الذي انخفض فيه نصيب أوبك، التي تعاونت مع روسيا وتسع دول أخرى منتجة للنفط قبل أربع سنوات لتكوين تكتل عُرف باسم أوبك+ لتعزيز النفوذ غير أن مسؤولا كبيرا بإدارة ترامب قال إنه حتى هذا التكتل وهن نفوذه مع ارتفاع الإنتاج الأميركي بقوة. واللافت وسط ذلك كله أن ترامب تواصل مع أوبك بهمة ونشاط أكبر من أي ممن سبقوه في الرئاسة الأميركية، وكثيرا ما لجأ إلى التغريد على تويتر تعليقا على قرارات الإنتاج وتحركات أسعار النفط. وقد وطد علاقته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتمد على واشنطن في الحصول على السلاح والحماية في مواجهة خصوم بلاده في المنطقة مثل إيران. ويؤكد غاري روس مؤسس شركة بلاك غولد إنفستورز وهو من الخبراء في شؤون أوبك ذلك التوجه بالقول إنه “لم تكن هناك أي إدارة أميركية أكثر انخراطا في السياسة النفطية الدولية وأوبك من رئاسة ترامب”، الذي أطلق قبل عامين سلسلة تغريدات على أوبك في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط لأكثر من 70 دولارا للبرميل وهو مستوى اعتبرته واشنطن أعلى كثيرا مما يجب على المستهلكين الأميركيين. ونشر ترامب تغريدة في 13 يونيو 2018 قبل تسعة أيام من اجتماع لمنظمة أوبك قال فيها “أسعار النفط مرتفعة للغاية. أوبك تلعب لعبتها من جديد. ليس أمرا طيبا”، وعندما اجتمعت وفود أوبك في النمسا بعد أسبوع منذ ذلك الانتقاد كتب ترامب يقول “أرجو أن تزيد أوبك الإنتاج زيادة كبيرة. نحتاج لإبقاء الأسعار منخفضة”، وهو ما حصل بالفعل. وأكد مسؤولان في أوبك، طلبا عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الأمر، إن تدخل ترامب في ما يتعلق بأسعار النفط يدفع المنظمة فعليا لبحث سياستها الإنتاجية بل وتعديلها. وقال مسؤول كبير في أوبك في التاسع من أبريل العام الماضي بعد بلوغ أسعار النفط 71 دولارا للبرميل لتسجل أعلى مستوى لها منذ خمسة أشهر في ذلك الوقت “أرجو ألا يعقب ذلك تغريدة”. ويرى مراقبو سوق النفط بمن فيهم مسؤولو أوبك أن المفارقة هي أن ارتفاع السعر في عامي 2018 و2019 يرجع في الأساس إلى عقوبات واشنطن على إيران وفنزويلا والتي أدت إلى خفض الإنتاج النفطي اليومي بنحو ثلاثة ملايين برميل.