أداء متناقض لسندات لبنان الدولية رغم شهية الأجانب
يترقب حملة سندات الدين الدولية (يوروبوندز) المصدرة من الحكومة اللبنانية، قرارا حاسما تخلص إليه المشاورات المكثفة بين الفريق الاقتصادي الحكومي والبنك المركزي، بشأن أول استحقاق بقيمة 1.2 مليار دولار في التاسع من مارس (آذار) المقبل. وهو الأول من ثلاثة إصدارات تستحق هذا العام بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار؛ يضاف إليها نحو ملياري دولار فوائد مستحقة على كامل المحفظة البالغ قيمتها نحو 30 مليار دولار.
ويبدو اهتمام المستثمرين الموزعين بين بنوك محلية ومؤسسات مالية أجنبية، مشوبا بقلق واضح بعد ظهور تناقض في المعلومات تراوح بين توجه للدفع ضمن آلية تتضمن عمليات مبادلة طوعية، وبين الامتناع عن السداد ودعوة الدائنين إلى إعادة جدولة مستحقاتهم، بحجة الأوضاع المالية الحرجة التي تمر بها البلاد وأولوية حصر استخدام الاحتياطات المتوفرة من العملات الصعبة لتلبية اعتمادات المستوردات الأساسية، وخصوصا القمح والمحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية وبعض المواد الأولية الضرورية لقطاعي الصناعة والزراعة.
وانعكس هذا التناقض وتأخير حسم القرار في تداولات السندات هذا الأسبوع، فشهد نصفه الأول انتعاشا قويا في مستويات الأسعار وتدني المردود، ليتكفل اليومان الأخيران بتبديد مجمل التحسن المسجل، وإعادة أسعار السندات الأقرب إلى مستويات متدنية. وتمدد الهبوط إلى الشرائح الموزعة الآجال حتى العام 2037. ليتم عرض أغلبها دون 40 سنتا لكل دولار من القيمة الدفترية.
فبعد أن تراجع متوسط المردود المثقل من 40.16 في المائة بنهاية الأسبوع الأسبق إلى 31.91 في المائة منتصف الأسبوع السابق، وسط حديث عن إمكانية توجه السلطات لسداد الدين للمستثمرين الأجانب والتفاوض مع المستثمرين المحليين في بعض الخيارات، عاود المردود صعوده بنهاية الأسبوع ليغلق على 40.1 في المائة، وارتفع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية لخمس سنوات إلى أعلى مستوياته عند 3799 نقطة أساس، وفق مجموعة «عودة» المصرفية. وذلك وسط عمليات بيع صافية واستمرار حال الترقب للقرار الحكومي.
ويقدر مصرفيون وخبراء بأن التأخير الحكومي في اتخاذ القرار الحاسم، سينتج المزيد من الارتباك في التداولات السوقية على كامل شرائح محفظة السندات. فيما يرجح الأخذ بالاقتراح الذي طرحه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على المصارف في نهاية الشهر الماضي، والقاضي بإجراء عملية مبادلة (Swap) طوعية بحيث يعطيها مصرف لبنان سندات طويلة الأجل من محفظته بدل السندات القصيرة الأجل التي تحملها وتستحق في الأشهر المقبلة. ما يفتح الباب لعمليات سواب مع الخارج، علماً بأن أحد أهم الصناديق بالنسبة لدين لبنان الخارجي أبدى انفتاحاً في هذا المجال. وبرأي الحاكم فإن هذه العملية تحول دون إعادة جدولة ممكنة الحدوث، وقد يترتب عليها خسائر للمصارف.
وتبدو المقايضة أقل الخيارات سوءا في ظل ارتفاع المخاطر إلى سقوف حرجة وتدني التصنيف السيادي، شاملا الجهاز المصرفي، إلى عتبات التعثر السابق مباشرة لإعلان الفشل المالي للدولة. فتعريض احتياط العملات الصعبة لنزيف يناهز 4.7 مليار دولار، يضاف إلى نزيف يقارب 6 مليارات دولار لتلبية الحاجات التمويلية للسلع الأساسية المتمثلة بالقمح والمحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية.
أما خيار إعادة الهيكلة والجدولة، فهو سيقود، في حال رفض الدائنين، إلى تموضع مالي حرج والإضرار بسمعة لبنان ومؤسساته في الأسواق الدولية. وأيضا ترقب تداعيات يصعب تقديرها مسبقا على الأصول الوطنية في الخارج والمعاملات المالية عبر الحدود وعلى شبكة الجهاز المصرفي مع البنوك المراسلة. علما بأنه يجري تداول اقتراحات تتسم بالجدية لإعادة هيكلة السندات بالدولار، لتصبح ذات آجال بعيدة يمكن أن تصل إلى 20 أو 30 سنة.
ودلت دراسة حديثة صادرة عن معهد أكسفورد الاقتصادي إلى ارتفاع حصة المستثمرين الأجانب من إصدارات العام 2020 لسندات الدين الدولية التابعة للبنان. وأوضحت المقارنة التي ارتكزت على أرقام صادرة عن وكالة «بلومبرغ» ارتفاعاً بنسبة تملك الأجانب لسندات مارس، من 45 إلى 48 في المائة، أي ما يوازي نحو 576 مليون دولار، ولسندات أبريل (نيسان) من 25 إلى 35 في المائة، أي نحو 245 مليون دولار، ولسندات يونيو (حزيران) من 5 إلى 35 في المائة، توازي نحو 210 ملايين دولار. ولم تظهر الدراسة تغيراً كبيراً في نسب تملك الأجانب لإصدارات لبنان الأخرى التي تنتهي في مارس 2037.
وبحسب معلومات من مسؤولي إدارات عمليات الأسواق الدولية، فإن حاجة المصارف اللبنانية إلى السيولة النقدية لتلبية السحوبات ورفع رساميلها بنسبة 20 في المائة قبل منتصف العام الحالي، طبقا لتعميم البنك المركزي، تدفعها إلى التخلي عن أجزاء من محافظها من سندات «يوروبوندز». ووجدت مبتغاها في تجدد شهية المستثمرين الأجانب التواقين إلى تحقيق أرباح استثنائية وسريعة، حال اعتمدت الحكومة دفع الاستحقاقات في مواعيدها المحددة.