كيف تصطدم أحلام أردوغان النيوعثمانية بالواقع التركي الهش؟

بيّن الصحافي التركي بوراك بكديل مدى هشاشة مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قوة بلاده الإقليمية والدولية.

أنقرة

بيّن الصحافي التركي بوراك بكديل مدى هشاشة مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قوة بلاده الإقليمية والدولية.
شعار أردوغان "جعل تركيا عظيمة ثانية" يأتي بأكلاف عسكرية وديبلوماسية واستراتيجية واقتصادية، خصوصاً أن الرئيس سيضطر لإنفاق مبالغ ضخمة من الأموال العامة لجذب الناخبينبالكاد يبلغ الدخل الفردي في تركيا 8900 دولار سنوياً. ويتخطى التضخم والبطالة عتبة 10%، فإن ربع الشبان الأتراك عاطل عن العمل. وفي 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، هبطت الليرة إلى ما دون 7.6 أمام الدولار. تباطأ الاقتصاد بشكل حاد وتقلص بنسبة 9.9% في الربع الثاني، بسبب فيروس كورونا بشكل كبير. وباع البنك المركزي والبنوك الرسمية الأخرى حوالي 120 مليار دولار منذ السنة الماضية.
تصنيفها كتصنيف تنزانيا وكينيا
قالت وكالة التصنيف موديز إن تركيا متجهة نحو أزمة ميزان مدفوعات ولاحظت أن "المحاولات غير الناجحة للدفاع عن الليرة" من قبل بنكها المركزي تسببت بتدني احتياطاته الأجنبية إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عقود. وخفضت الوكالة التصنيف الائتماني لتركيا إلى بي-2 وهو يعادل تصنيف بلاد مثل تنزانيا وأوغندا وإثيوبيا وكينيا. على الرغم من كل ذلك، يواصل أردوغان استعراض عضلاته في مناطق متقلبة ويهدد بخطوات عسكرية وسياسية ضد خصومه.
هل سمعتم بيل غايتس يتفاخر يومياً بثروته؟
كتب بكديل في مركز بيغن-سادات للأبحاث الاستراتيجية أنه لا يمر يوم من دون أن يخبر أردوغان مجموعة من القوميين أن تركيا هي قوة عالمية وسياسية وعسكرية وأن "جميع الدول الأخرى تحسد صعودنا المستمر". لكن الصحافي يسأل قراءه عما إذا كانوا يسمعون الرئيس الصيني شي جينبينغ يذكّر الجمهور بأن دولته هي الأكبر سكانياً حول العالم، أو بيل غايتس يكرر أمام المستمعين إليه بأنه فائق الثراء. ويخلص إلى أن أولئك الذين يدّعون تمتعهم بالقوة بشكل صاخب، لا يملكونها على الأرجح.
السفير التركي يعترف
ينقل بكديل عن السفير الأسبق في واشنطن ناميك تان إشارته إلى أنه سيصعب الحفاظ لفترة طويلة على عمل القوات التركية في سوريا والانخراط عسكرياً في ليبيا وشرق المتوسط وخوض ديبلوماسية الزوارق الحربية مع فرنسا واليونان.
يأتي ذلك خصوصاً في وقت يتدهور فيه الاقتصاد المحلي وتمر العلاقات التركية مع روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفترة توتر. وذكر السفير أن الصناعة الدفاعية التركية ليست مستقلة تماماً ولا تزال تعتمد على إمدادات تحتاج إلى تراخيص تصدير من البلدان التي تخاطر تركيا باعتبارها عدوة لها.
أمثلة تفضح واقع صناعته الدفاعية
في 2018، وقّعت الصناعات التركية الفضائية عقداً بقيمة 1.5 مليار دولار لبيع 30 مروحية هجومية من طراز تي-129 إلى باكستان. لكن العقد لم يُنجز لأن الصناعات التركية فشلت في تأمين تراخيص تصدير أمريكية للعقد بما أن محركات تلك المروحيات يصنعها مشروع مشترك بين هانيويل الأمريكية ورولز رويس البريطانية. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من أكبر مشروع لبناء سفينة هجومية برمائية تركية الصنع في 2021. يكلف المشروع أكثر من مليار دولار. لكن "أكبر سفينة تركية الصنع على الإطلاق" هو في الحقيقة عقد ترخيص من شركة نافانتيا الإسبانية لصناعة السفن.
يشبه هتلر.. مع فارق وحيد
في تعليق على خطوات أردوغان العسكرية الإقليمية، نشر مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران جاك أتالي تغريدة جاء فيها: "علينا أن نسمع ما يقوله أردوغان، نأخذه بكثير من الجدية ونستعد للتحرك وفق جميع الوسائل. لو أخذ أسلافنا خطابات هتلر على محمل الجد بين 1933 و 1936، لأمكنهم منع هذا الوحش من مراكمة الطرق والأساليب لتنفيذ ما أعلنه".
لكن الخبير البارز في الشؤون التركية روبرت إيليس يقول إن أردوغان لا يستطيع تحقيق أهدافه بالنظر إلى شح الموارد الذي وصفه بـ "كعب أخيل" (نقطة ضعف قاتلة) الرئيس التركي، مع هجرة المستثمرين الأجانب وضرب كورونا للسياحة التركية وانخفاض التصنيف الائتماني.
  أس-400 التي لا يمكنها تشغيلها
أصر أردوغان على حيازة منظومة أس-400 الروسية. وصلت المنظومة الأولى في يوليو (تموز) 2019، وكان هنالك توقع بأن تصبح جاهزة عملياً في أبريل (نيسان) 2020. لكن المنظومة لا تزال موضبة. تذكر تقارير إعلامية وجود مشاكل تقنية فيها. ولم يُعطَ المهندسون الروس الإذن للإشراف على عمليات أس-400 لأن الجاهزية العملانية يجب أن يتولاها المهندسون الأتراك وحدهم، وفقاً لما ذكره موقع يوناني. وافق أردوغان على شراء منظومة روسية بقيمة 2.5 مليار دولار من دون أن تكون بلاده قادرة على تشغيلها لسبب تقني أو سياسي. ودفعت أنقرة هذا المبلغ من دون أخذ إمكانية نضوب الاحتياطات الأجنبية التركية سريعاً.
أثمان إضافية
كبدت منظومة أس-400 تركيا مزيداً من الأثمان غير المتوقعة مع تعليق عضويتها في مشروع بناء مقاتلات أف-35. وهي كانت قد دفعت أكثر من مليار دولار كطلبات أولية لشراء هذه المقاتلات، بينما هدفت إلى شراء ما يزيد عن مئة مقاتلة من هذه الفئة في نهاية المطاف. وأمكن شركات الدفاع التركية جني مليارات الدولارات لو لم يتم تعليق عضوية أنقرة في مشروع التصنيع. وعبّر مسؤول عسكري تركي عن شكوكه بإمكانية مواصلة تنفيذ هذه الطموحات العسكرية بسبب القيود المالية التي تعاني منها الدولة.
وختم بكديل مذكّراً بأن شعار أردوغان "جعل تركيا عظيمة ثانية" يأتي بأكلاف عسكرية وديبلوماسية واستراتيجية واقتصادية، خصوصاً أن الرئيس سيضطر لإنفاق مبالغ ضخمة من الأموال العامة لجذب الناخبين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2023، وربما قبل ذلك.