هجوم مسلح..

كيوبوست: اليمن.. عواقب وخيمة قد تنتظر العمل الإغاثي

مساعدات الهلال الأحمر الإماراتي في عدن "أرشيفية"

الرياض

لطالما كان العمل الإغاثي في اليمن محفوفاً بالمخاطر؛ ليس بالنسبة إلى العاملين الأجانب فحسب، بل حتى اليمنيين أنفسهم. وقد دأب الحوثيون على عرقلة وصول الإمدادات إلى المحتاجين في مناطق سيطرتهم، كما تواجه وكالات الإغاثة أعمال عنف في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

وما بين العرقلة والعنف، تؤكد تقارير أخرى استغلال وكالات الإغاثة التركية للوضع المنفلت في البلاد للقيام بعمليات استخباراتية وعسكرية تحت ذريعة العمل الإنساني؛ وهو تصرُّف يزيد الطين بلة ويضيف مزيداً من الارتباك بين الأطراف المتصارعة، ضحيته الشعب اليمني الذي يعيش أكبر أزمة إنسانية.

لم يسفر الهجوم عن أية ضحايا؛ لكنه يدق ناقوس الخطر بشأن خفض، أو حتى توقف، إغاثة الشعب اليمني في حالة استمرار هذا النوع من الاعتداءات. صحيح أن هيئة الهلال الأحمر لم تُعلن إجراءات محددة بشأن تقليص دورها، واكتفت بإدانتها وأسفها للعمل الإرهابي، إلا أنه سبق أن قام المانحون هذا العام بخفض التمويل اللازم للاحتياجات المتزايدة في البلاد؛ وذلك لأسباب تعود جزئياً إلى العراقيل التي تواجههم، وقد شمل الإجراء تخفيض خدمات الغذاء، والرعاية الصحية، والمياه والصرف الصحي.


وفي أواخر أكتوبر الماضي، أُصيب أحد موظفي الهلال الأحمر التركي في مدينة عدن جراء هجوم مسلح من قِبل مجهولين. أعربت وزارة الخارجية التركية عن إدانتها للحادث، وطالبت بإلقاء القبض على منفذي الهجوم وتقديمهم إلى العدالة. يخشى المراقبون من أن يكون الهجوم المسلح على فريق الهلال الأحمر الإماراتي عملاً انتقامياً من قِبل أنصار تركيا في اليمن؛ الإخوان المسلمين والميليشيات التابعة لهم.

وحسب تقرير لصحيفة “إنتلجنس أون لاين” الفرنسية، في بداية أكتوبر الماضي، فإن جهاز المخابرات التركي يعزز وجوده بكثافة في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة. وحسب الصحيفة، المتخصصة في مجال الاستخبارات، فإن التحركات تأتي بمساعدة منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، المعروفة بقربها من جماعة الإخوان المسلمين، وبتسهيل من حميد الأحمر، أحد أبرز زعماء حزب الإصلاح اليمني، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن. ووفقاً للصحيفة، فإن تحركات أنقرة تُفهم على أنها بداية لعمليات تركية كبيرة في اليمن.


هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) تنشط استخباراتياً بذريعة إنسانية حسب تقارير
إن الاستغلال التركي المتزايد للمنظمات الإنسانية والإغاثية لأعمال استخباراتية، حسب التقارير الإعلامية والاستخباراتية، يزيد القلق من احتمال وقوع هجمات تلحقها هجمات انتقامية على أصول وأفراد هذه المنظمات من قِبل أنصار أطراف النزاع؛ بما في ذلك الحوثيون، بغرض خلط الأوراق وإحداث الفتنة وتعقيد المشهد المعقَّد بالفعل، وهو أمر يستدعي القيام بخطوة دولية جادة لتحييد المنظمات الإغاثية والإنسانية عن الصراعات السياسية والأيديولوجية؛ حيث يُعد شن هجمات متعمدة على الأعضاء والأصول الخاصة بالبعثات التي تقدم المساعدات الإنسانية جريمة حرب.

معاناة متزايدة

ويعاني اليمنيون تناقصاً متزايداً في المساعدات الدولية منذ سنوات؛ بسبب عرقلة الحوثيين والحكومة المعترف بها لعمل المنظمات الإغاثية. يتحمَّل الحوثيون النصيب الأكبر من هذه التصرفات الشنيعة، حسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وقد شملت تلك الأساليب استغلال المساعدات الدولية لتمويل الجبهات، والسيطرة التعسفية على مراقبة المساعدات، ومنح المساعدات الدولية لموالين لهم بدلاً من ملايين المحتاجين، بالإضافة إلى العنف ضد موظفي الإغاثة وممتلكاتهم.

وتزداد معاناة اليمنيين من تناقص المساعدات؛ بسبب العراقيل في وقت هم في أشد الحاجة إليها؛ بسبب انتشار فيروس كورونا، وأمراض أخرى كالكوليرا والضنك وغيرهما، ناهيك بانهيار نظام الخدمات الصحية وأنظمة الصرف الصحي وأضرار الأمطار والسيول التي أتت على غير عادتها.

سبق أن صادرت قوات الحوثيين أكثر من مرة المواد الغذائية والإمدادات الطبية ومنعتها من الوصول إلى مستحقيها، أو عرقلتها بشدة. ولعل من بين الشواهد الأخيرة احتجاز الحوثيين في ميناء الحديدة 262 حاوية تابعة لـ”منظمة الصحة العالمية”، بالإضافة إلى شحنة كبيرة من معدات الحماية الشخصية للاستجابة لانتشار فيروس كورونا، ومحاولتهم استغلال الشحنات كأوراق مساومة في المفاوضات. لم يوافق الحوثيون على الإفراج سوى عن 118 حاوية أواخر سبتمبر. ومع ذلك، فإن القيود لا تزال في التصاعد والأزمة لا تزال في تفاقم، ولا يبدو أن آخرها هو الهجوم الأخير على طاقم الهلال الأحمر الإماراتي في تعز، والتي يحاصرها الحوثيون من ثلاث جهات، ويسيطر على أجزاء واسعة منها الإخوان المسلمون.

يُقال إنه لا توجد على الإطلاق حرب جيدة ولا سلام عادل؛ ولكن السلام ليس بالضرورة أن يعني غياب الحرب دائماً؛ فكما يقول الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا: إن السلام ليس غياب الحرب؛ بل هو “فضيلة ونزعة للخير والثقة والعدالة”. وليس هناك مثال للخير أنبل مما تقوم به المنظمات الإغاثية زمن الحروب والكوارث لمساعدة شعوب أنهكها الجوع وخذلها قادتها. إن السماح لتلك المنظمات بالعمل بحرية وحيادية هو أقل ما يستحقه الشعب اليمني؛ ليحظى ببعضٍ من سلام هائم على جميع وجوهه منذ سنين.