العلاقات المصرية الفرنسية

تعاون مصري فرنسي في مواجهة الجمعيات المتطرفة

مواقف متقاربة

صحيفة العرب

تحمل الزيارة، التي من المقرر أن يقوم بها الأحد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى باريس، رسالة تفيد بوجود توافق مصري فرنسي في ملفات كثيرة، وعلى رأسها الحرب على الإرهاب.

وتأتي الزيارة في وقت تعمل فيه فرنسا على تفكيك نفوذ جمعيات إسلامية متشددة تحصل على دعم خارجي قوي وتخترق الجالية لتنفيذ أجنداتها، وهو ما يظهر صواب المقاربة المصرية في مواجهة الإسلام السياسي ونصائحها السابقة التي أسدتها للأوروبيين والتي توصي بوقف التساهل إزاء شبكات إخوانية عابرة للدول.

وأعلن قصر الإليزيه أن السيسي سيلتقي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، لتعزيز العلاقات بين البلدين، ومناقشة أزمات في الشرق الأوسط وتركيا وليبيا وشرق البحر المتوسط.

ويمكن أن يؤدي التنسيق الثنائي إلى حصول فرنسا على معلومات دقيقة بشأن الروابط التي تجمع هذه الجمعيات بتنظيمات متطرفة تحظى برعاية تركية وقطرية وإخوانية.

وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن التعاون بين البلدين في ملف مكافحة الإرهاب، يأتي بغرض الاستفادة من طرق معالجته في مصر، بالنظر إلى معاناة كليهما من تغلغل وتمدد نفوذ جماعة الإخوان تحت ستار الأنشطة الدعوية والخيرية والاجتماعية.

وأوضح سلطان، في تصريح لـ”العرب”، أن تبادل الخبرات والمعلومات يتيح نقل الرؤى الكفيلة بتوفير معرفة أعمق بمناهج عمل الإخوان، وكيفية التعامل مع روافدها، والطرق الناجعة للتصدي لأفكارها، ووسائل تتبع خيوط التنظيم الحركية والتحالفات المعقدة داخله.

وتملك أجهزة الأمن المصرية ذخيرة كبيرة من المعلومات الموثقة حول تنقلات قيادات وكوادر إسلامية عابرة للحدود، يمكن أن تقدم أدلة جديدة لفرنسا تساعدها على عدم التراجع عن خطواتها في تقليص نفوذ التنظيمات الإسلامية على أراضيها.

وتزايدت أوجه التعاون بين القاهرة وباريس، بما يتجاوز الأطر التقليدية القائمة على تعظيم المصالح الاقتصادية والصفقات العسكرية التي شهدت تقدما خلال السنوات الماضية، ويجد كل طرف في الثاني فاعلا مهما وشريكا سياسيا وأمنيا في عدد من القضايا.

وبدت مواقف السيسي وماكرون متقاربة بشأن رفض الانتهاكات التركية في شرق المتوسط، والتدخلات السافرة في الأزمة الليبية، وآليات التعامل مع القوى المتطرفة في المنطقة. ولقي كل طرف في الآخر حليفا يمكن أن يعوضه إخفاقاته مع حلفاء كان يعول عليهم كثيرا، أو يمثل إضافة له في ظل تشابك عدد من الملفات الإقليمية.

ويقول مراقبون إن البلدين نجحا في تمتين العلاقات على وقع الأزمة الليبية، وجرى ردم الكثير من الفجوات السياسية بينهما مع شعور القاهرة بالإحباط من ارتباك واشنطن في التعاطي مع الأزمة وما وفرته من ضوء أخضر للتدخلات التركية.

ومع فورة الغاز في شرق المتوسط، اتجهت مصر إلى تطوير روابطها الأوروبية، وشهدت العلاقة مع فرنسا خصوصية كبيرة التقت على أكثر من أرض سياسية مشتركة، يمكن أن توفر للقاهرة شبكة أمان متعددة الوجوه والأغراض.

وتجد مصر في فرنسا حليفا ربما يساعدها على الترويج لرؤيتها الشاملة في مجال مكافحة الإرهاب وبتره من جذوره، وتفهم حدوث تجاوزات تعتبرها منظمات حقوقية انتهاكا لحقوق الإنسان، وترى فيها مصر جزءا من تكلفة حربها لتقويض مخططات المتشددين.

ومرجح أن يصبح هذا الملف مزعجا للقاهرة مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن الذي يضع قضايا حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ضمن أولوياته الخارجية المتقدمة، ويرى أن السجل المصري فيها معيب، ولم تكن إدارة الرئيس دونالد ترامب حاسمة إزاءه.

وطالبت 18 منظمة حقوقية دولية، الخميس، ماكرون بالضغط على الرئيس المصري لأجل الإفراج عن نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان “اعتقلوا لأسباب تعسفية في مصر”، في إشارة تهدف إلى إحراج الرئيس الفرنسي أمام شعبه.

وأعربت بعض المؤسسات الفرنسية عن عدم رضاها عن حقوق الإنسان في مصر، لكن غالبية الانتقادات لم تحظ بتأييد رسمي كبير، وهو ما تحاول منظمات دولية تعديله، لاعتقادها أن ماكرون ليس في وارد التفكير في الاعتناء بهذا الملف خلال الفترة المقبلة، في ظل انشغاله بملف تجفيف منابع المتشددين، وبعد توسيع نطاق التوافق مع الرئيس السيسي.

واستأنفت منظمات حقوقية دولية حملات التحريض ضد النظام المصري، مستغلة أجواء التفاؤل التي أشاعها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن لتغيير آليات التعاطي الأميركي مع هذا الملف في مصر، ومحاولة الاستفادة من نشاط متصاعد لمنظمات فرنسية لحض ماكرون على عدم الانسياق وراء مصالحه في ملف مكافحة الإرهاب.

وأطلقت السلطات المصرية، الخميس، سراح ثلاثة قياديّين من منظمة “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، بعد 15 يوما من حبسهم على ذمة التحقيق.

ويقول متابعون إن القاهرة أرادت جس النبض الدولي حيال هذا التصرف قبل قدوم جو بايدن والإيحاء بأن منهجها لن يتغير في مجال حقوق الإنسان، وأنه يخضع لحسابات داخلية.

غير أن السلطات المصرية، بعد توقيف القياديين الثلاثة في “المبادرة” (غير حكومية)، تعرّضت لانتقادات حادة وعديدة من قبل الأمم المتحدة ودول ومنظمات دولية وإقليمية حقوقية، ما اضطرها إلى عدم إطالة أمد احتجازهم، والإعلان عن سرعة خروج اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات الأهلية إلى النور، بعد فترة طويلة من التأجيل.

واعتبرت مصادر سياسية مصرية أن ماكرون أدخل تعديلات على التوجهات الخارجية للسياسة الفرنسية، وأخرجها من إطار التحفظ في التعامل بصورة مستقلة مع القضايا الإقليمية، وأضفى عليها قدرا من الحيوية، حيث يجد الفرصة مواتية لأن تقوم باريس بأدوار مهمة على الساحتين الإقليمية والدولية.

وأضافت هذه المصادر أن فرنسا تلتقي مع مصر في غالبية القضايا المطروحة، ففضلا عن تركيا وشرق المتوسط وليبيا، هناك تفاهمات بشأن ضرورة الحصول على تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، ويمكن أن تعيد زيارة السيسي لباريس الزخم إلى فكرة مؤتمر دولي، طالبت به فرنسا منذ فترة ولم يعقد، وأعادت القاهرة المطالبة به.

وأكدت المصادر ذاتها أن القاهرة تتحسب لحدوث تحولات في العلاقات الإقليمية، وتجد في باريس حليفا واضحا في عدد من القضايا التي تهمها، حيث ترى أنه من المفيد زيادة التعاون والتنسيق معه بشأنها خلال الفترة المقبلة؛ ذلك أنه بوجود إدارة جديدة في واشنطن قد تتغير بعض المعطيات.