إحراق مروى البيتي..

كيوبوست: اليمن.. تزايد بشاعة العنف ضد المرأة

مروى البيتي شابة يمنية أقدم زوجها على إحراقها حية أمام أطفالها _ أرشيفية

كيوبوست

بعد صراعٍ يائس بسبب حروق غطَّت ثمانين في المئة من جسدها، تُوفيت الشابة مروى البيتي، تاركةً خلفها صدمة جريمة هزَّت الشارع الحضرمي واليمن عموماً؛ حيث أقدم زوجها على حرقها أمام أطفالها في منزلهم بمدينة المكلا، باستخدام مادة البنزين، في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي.

وحسب بيان أصدرته قبيلة المُتوفاة، فإن الزوج قد أضرم النار عمداً في زوجته، بعد أن سكب وقود البنزين عليها، ولم تتمكن توسلات وصرخات المرأة المكلومة من ثني الزوج عن فعلته أو استنهاض ضميره لمساعدتها بعد اشتعال الحريق.

فارقتِ الضحية؛ ذات الاثنين والعشرين عاماً، الحياة في المستشفى بعد أيامٍ قليلة فقط؛ لكن الحادث يثير ضجة كبيرة في محافظة حضرموت المعروفة بسلمية أهاليها، كما يتم تداول قصة الجريمة على نطاق واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية والمنظمات الحقوقية والناشطين. وتزامن الحادث مع فعاليات عالمية باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي يصادف تاريخ 25 نوفمبر؛ مما أسهم في تسليط المزيد من الضوء على ظاهرة العنف ضد المرأة في مجتمع شديد التحفُّظ مثل اليمن.

دراسات وأرقام

على الرغم من تفشِّي أشكال مختلفة من العنف ضد النساء في اليمن؛ فإن هناك عدداً قليلاً جداً من الدراسات حول مدى شيوع العنف وأنواعه وأشكاله. ووفقاً لدراسة أُجريت في عام 2000، فإن 46.4% من النساء في اليمن تعرضن إلى الضرب من قِبل أزواجهن أو أحد أعضاء الأسرة الآخرين. ويُعد الضرب أحد أمثلة العنف ضد المرأة الذي يضم أشكالاً عديدة؛ منها جسدية وجنسية ونفسية.

وفي دراسة أحدث قامت بها مؤسسة دار المعارف للبحوث والإحصاء بحضرموت في عام 2019، تبيَّن أن نحو 42% من النساء في عاصمة محافظة حضرموت، المكلا، تعرضن إلى نوع واحد على الأقل من أنواع العنف الأسري. وأوضحت الدراسة أن نحو 18% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة اعترفن بتعرضهن إلى عنف بدني؛ مثل الضرب أو الصفع أو الرمي بأشياء معينة بغرض إلحاق الضرر.

ومن بين كل أنواع العنف ضد المرأة في اليمن، يُعد زواج الأطفال والزواج القسري من أكثر ما عُرف عن الفتيات اليمنيات. وفقاً للمركز الدولي للبحوث المتعلقة بالمرأة بواشنطن، فإن 48% من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. وقد نص قانون الأحوال الشخصية اليمني لسنة 1992 على أن الحد الأدنى للزواج، ذكراً كان أم أنثى، هو خمس عشرة سنة؛ لكنّ تعديلاً أُصدر على القانون في عام 1999 أوضح صحة عقد زواج الصغيرة بشرط أن تكون “صالحة للوطء”. وفي عام 2009 تم تقديم مشروع قانون لتحديد الحد الأدنى للزواج بـ17 أو 18 سنة؛ وهو الحد الشائع عالمياً، لكن المشروع واجه اعتراضات من قِبل بعض الجهات ذات العلاقة.


زواج القاصرات ظاهرة تهدد فتيات اليمن
يمكن أن يكون الزواج المبكر في اليمن مقدمةً لسلسلة مختلفة من أنواع العنف ضد المرأة؛ مثل الضرب، والإساءة النفسية، والاغتصاب الزوجي أو حتى الاستغلال الجنسي.. وغيرها من صنوف العنف؛ وذلك نظراً لصغر سن المرأة وانخفاض وعيها وضعفها. ومع ذلك، يبقى العنف ضد المرأة في اليمن بشكل عام مجهولاً إلى حد كبير وغير واضح بشكل دقيق من حيث التفاصيل؛ كالأسباب والعواقب ومدى الشيوع؛ ويعود ذلك جزئياً إلى انخفاض عدد الضحايا اللاتي يتقدمن بشكاواهن إلى الجهات القانونية أو الحقوقية أو حتى اللجوء إلى أهاليهن لأسباب ثقافية ودينية أو خوفاً من وصمة العار.

بيئة ريفية

يسهم الريف بدرجة كبيرة في انتشار العنف ضد المرأة؛ فكثيراً ما تنقطع الفتيات الصغيرات عن الدراسة نظراً لعدم توفر البنية التحتية اللازمة أو عدم قدرة العائلة على تغطية المصاريف الدراسية، أو ببساطة للقيام بالخدمات المنزلية كجلب الماء أو الرعي. وفي مثل تلك الحالات تزداد احتمالية تزويج الفتاة بأقرب وقت ممكن مُعزّزة بالعادات والتقاليد والأعراف التي تُحبِّذ تزويج الفتيات؛ تجنباً لانتهاك “شرف” الفتاة غير المتزوجة.

يعيش نحو 71% من سكان اليمن في الريف، كما أن 46% من سكان اليمن أقل من 15 سنة. وتشير هذه الإحصاءات التقديرية إلى صعوبة التعامل مع ظواهر مثل الزواج المبكر وما يرتبط بها من عنف، وكذلك ظواهر العنف ضد المرأة بمختلف أسبابها. ومع ذلك، فإن تسارع نمو المدن وانتشار التعليم بها لا يحل المشكلة؛ حيث إن تزايد الضغوط الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية المتدهورة والحرب وسوء إدارة البلاد، تسهم بشكل فعَّال في ظهور وانتشار الجريمة بمختلف أشكالها؛ ومنها العنف ضد المرأة. ولعل قصة احتراق الضحية مروى البيتي مثال على هذه الجريمة في واحدة من أهم مدن اليمن، المكلا، التي يسكنها ما يقارب المليون نسمة، حسب التقديرات، والتي تحظى بمستوى عالٍ من الأمن والاستقرار مقارنة بمعظم مدن اليمن اليوم.


النساء في اليمن ضحية للحرب بكل أشكالها 
ينظر الكثير من المراقبين إلى ازدياد معدلات الفقر والبطالة في اليمن كأحد الأسباب المهمة لانتشار العنف ضد المرأة، إضافة إلى ضعف جهات إنفاذ القانون وانتشار المظاهر المسلحة. لا شك أن جائحة كورونا، وما يصاحبها من ضغوط اجتماعية، أسهمت أيضاً في اشتداد العنف ضد المرأة. ووفقاً للأمم المتحدة، زادت طلبات المساعدة؛ بسبب العنف المنزلي في بعض البلدان، خمسة أضعاف بسبب الجائحة.

مما لا شك فيه أن إشغال الشباب وزيادة ثقتهم في أنفسهم من خلال إتاحة فرص العمل وتحسين البنى التحتية ورفع مستويات التعليم، تسهم بشكل فعَّال في محاربة الفقر والبطالة؛ لكن محاربة العنف ضد المرأة تتطلب أكثر من ذلك، وتشمل الإجراءات الممكن اتخاذها رفع مستوى الوعي القانوني بالحقوق والواجبات بين الأزواج، وتفعيل دور جهات إنفاذ القانون، وتحديث نظام التعليم؛ بحيث يكون أكثر اعتدالاً وموضوعية وتناسباً، وكذلك صياغة القوانين الملائمة المتماشية مع الدراسات والمعاهدات الدولية.

تأثير الحرب على المرأة اقتصاديًّا

لم تكن السيدة أم زيدان تتوقع أن تترك عدن، المدينة الساحلية الجميلة في جنوب اليمن؛ لتعيش في أرياف تعز المرتفعة في يوم من الأيام. ولكن هكذا هي الأقدار، لا تكف عن مفاجأتنا دومًا.

تزوجت السيدة أم زيدان من أحد أبناء تعز في منتصف التسعينيات، وانتقلت لتعيش معه في قريته. كان السيد عبد القوي، زوج السيدة أم زيدان، يعمل طبيبًا، ويساعد والده في إعالة إخوته الخمسة، ولم تكن أم زيدان، التي عملت طبيبة أيضًا، تدَّخر جهدًا لمساعدة زوجها في تحمُّل هذه المسؤولية. وعلى الرغم من الفرق الشاسع بين حياة الريف وحياة المدينة؛ فإن مهنة كلٍّ من أم زيدان وزوجها كطبيبَين جعلتهما قريبَين من الناس ومحبوبَين من الجميع؛ حتى تقبَّلت أم زيدان حياتها الجديدة، ولكن الحرب غيَّرت كل شيء عندما اندلعت في 2015 في اليمن.

تسببت الحرب في اليمن في مقتل الآلاف، وتشريد الملايين، ناهيك بما سببته من خراب بمليارات الدولارات في البنية التحتية. كانت أم زيدان، كالآلاف غيرها من اليمنيين، تترحَّل مع ابنَيها من منطقة إلى أخرى؛ بحثًا عن الأمان، وكانت غالبًا ما تساعد زوجها بكثير من مُدَّخراتها؛ لتغطية تكاليف التنقُّل والسفر مع ابنَيها. أما الزوج فقد آثر البقاء في تعز؛ حيث الحاجة المُلحَّة إلى الأطباء في زمن الحرب.

انتهت رحلات أم زيدان بين قرى تعز العالية غرب اليمن، ومحافظة إب وسط اليمن، بالاستقرار أخيرًا في عدن؛ حيث لم تعثر على عمل ولم تتلقَّ راتبها لفترة طويلة، فاضطرت ابنتها إلى العمل، وبالكاد كان زوجها يُرسل إليها بعض المال قبل أن يخطفه الموتُ ويترك أم زيدان تتحمل المسؤولية وحدها في بلد مزقته الحرب.        

إن الحرب في اليمن سبب رئيسي في رفع نسبة الفقر من 47 في المئة في عام 2014 إلى 75 في المئة متوقعةً بحلول نهاية عام 2019. ووَفقًا لدراسة قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن اليمن سيصبح أفقر بلد في العالم بحلول عام 2022 إذا استمر القتال؛ حيث سيعيش 79 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضًا أن يصل عدد القتلى في اليمن إلى نحو ربع مليون شخص بنهاية عام 2019. تتسبب هذه الأضرار في تأخُّر اليمن لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة لجيل كامل؛ أي ما يقارب ثلاثين سنة. القضاء على الفقر والجوع هو أول هدف من أهداف التنمية المُستدامة المأمول تحقيقها في العالم بحلول 2030م.


إن الفقر، بشكل عام، أكثر من مجرد الافتقار إلى الحد الأدنى من الموارد المالية والضروريات؛ فالناس يعيشون في حالة فقر أيضًا إذا حُرِموا من الخدمات الأساسية، مثل العناية الصحية والأمن والتعليم.

بعد مشقة بالغة، تمكَّنت السيدة أم زيدان أخيرًا من الحصول على عمل؛ حيث عملت ليل نهار في كلٍّ من مستشفى الخليج ومستشفى الصداقة بعدن. وعلى الرغم من أن الظروف المالية الصعبة هي التي دفعت أم زيدان إلى العمل طوال هذه الساعات؛ فإن حبها لمساعدة الناس كان حافزًا أساسيًّا لا يقل أهمية، فالأوضاع الصحية متردية للغاية، وتوقُّف موظفي الرعاية الصحية لا يزيد الأمور إلا سوءًا، وربما هذا ما ألهم ابنها أيضًا لدراسة الطب رغم تكاليف الدراسة والمعيشة المتزايدة.

إن ارتفاع نسبة الفقر في اليمن لا يزيد من الأعباء على الرجال فحسب بصفتهم أوصياء؛ بل إن المرأة عُرضة لتحمُّل أعباء اقتصادية واجتماعية وصحية أشد قساوة، فوَفقًا لتقرير الأمم المتحدة حول اليمن لعام 2019، فإن 82 في المئة من القتلى في اليمن هم من الرجال والفِتيان، وذلك خلال الفترة من 2014- 2019.

ونتيجة لارتفاع عدد القتلى من الرجال أصبح معظم الأُسر الآن يديره الإناث، 21 في المئة منهن دون سن 18 عامًا. إن هذه النتائج المُخيفة تجعل النساء وأطفالهن في اليمن عُرضةً إلى الفقر والاستغلال في ظل استمرار الصراع. كما أن المجتمعات المنكوبة بالفقر عُرضة لعدم الحصول على السكن الملائم والمياه النظيفة والغذاء الصحي.

أُصيبت السيدة أم زيدان بحمى الضنك منتصف هذا العام. لقد تسببت حمى الضنك في وفاة 250 شخصًا في عدن وإصابة قرابة 6 آلاف آخرين خلال فترة وجيزة في عام 2015م، ولا تزال موجات من هذا المرض تُصيب مناطق مختلفة من وقت إلى آخر؛ بسبب البيئة غير الصحية والملوثة. نجت السيدة أم زيدان من المرض، ولكنها أُجبرت على تقليل ساعات العمل؛ للحفاظ على صحتها التي بدأت تتدهور.  

ربما كان من حظ السيدة أم زيدان أن تنشأ في المدينة، عدن؛ حيث وجدت الفرصة للتعلُّم وكسب المهارات التي مكَّنتها من العمل في السنوات العِجاف، ولكن الحال ليست ذاتها للأغلبية؛ حيث يتسبب الصراع في اليمن في إجبار كثير من الأطفال على عدم الذهاب إلى المدرسة، وتُشكِّل الفتيات النسبة الكبرى مقارنةً بالأولاد؛ وذلك لأسباب منها عدم توفُّر المعلمات، وخوف الآباء على الفتيات، والزواج المُبكِّر، والاضطرار إلى العمل، وكذلك القيام بالواجبات المنزلية.


حتى منذ ما قبل الصراع، كان التحاق الفتيات بالدراسة في اليمن هو الأدنى في دول الشرق الأوسط. يؤدي انخفاض التحصيل العلمي وكسب المهارات لدى النساء دورًا سلبيًّا في تمكين النساء اقتصاديًّا، ويقلل من فرصهن في الحصول على الدخل والمشاركة في سوق العمل.

في مديرية المقاطرة، محافظة لحج بجنوب اليمن، يعاني المواطنون صعوبة الحصول على المياه؛ وهي أحد أكثر المشكلات شيوعًا في أرياف اليمن. التضاريس الوعرة في هذه المديرية تزيد من متاعب جلب المياه من الآبار البعيدة، والتي قد تبعد بضعة كيلومترات.

يقول عبد القادر أحمد سيف، أحد ساكني عزلة نجد البرد، في مديرية المقاطرة: “لطالما كانت المياه مصدر معاناة لنا؛ حيث يضطر النساء والأطفال إلى الذهاب عدة مرات في اليوم مشيًا على الأقدام إلى البئر؛ لجلب الماء”.

إن وظيفة جلب المياه من الآبار البعيدة هي أحد القيود الكثيرة التي تحد من قدرة المرأة على العمل المُجزي أو التعلُّم؛ حيث تُجبر هذه المشكلةُ كثيرًا من الفتيات على ترك المدارس. وفي هذا الصدد، يقول عبد القادر بعد أن قامت إحدى المؤسسات الإغاثية بتأهيل مصدر وشبكة المياه بالمنطقة: “كان أطفالي لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة؛ وذلك لانشغالهم بجلب الماء طوال اليوم”.

يعيش نحو 71 في المئة من اليمنيين في الريف، ويؤدي ذلك إلى جعل النساء أكثر ميلًا إلى العمل في قطاعَي الزراعة والرعي، كما قد يعمل بعض النسوة في مجال المشروعات الصغيرة التي لا تتطلب مستوى عاليًا من التعليم أو المهارة، وهذه جميعها قطاعات لا تُدرّ كثيرًا من الدخل. عالميًّا، ما يقرب من ثُلث النساء العاملات يعملن في الزراعة، ولا يعني عمل النساء بالضرورة حصولهن على أجر؛ وذلك بسبب كونهن يعملن في مزرعة العائلة، أو رعي ماشية العائلة مثلًا.

وفي هذا الصدد، وَفقًا لبعض التقديرات، فإن 61 في المئة من النساء العاملات في اليمن لا يحصلن على أجورهن.

تعمل غالبية النساء في المناطق الحضرية في اليمن في قطاعَي التعليم والرعاية الصحية. وكغيرها من مرافق القطاع العام، يعاني الموظفون من تأخُّر الرواتب لفترات تصل إلى عدة أشهر. في مثل هذه الحالات، تجد النساء فرصًا أقل بكثير من الرجال في ما يتعلق بخيارات العمل البديلة.


سيبقى الصراع في اليمن وفشل الدولة مُحفِزًا أساسيًّا لزيادة نسبة الفقر في البلاد، وذلك بالإضافة إلى نقص النمو الاقتصادي وتزايد عدم المساواة، وستتحمل المرأة اليمنية النصيب الأكبر من هذه الأعباء. إن القضاء على الفقر ليس سهلًا، بالذات حيث توجد الحروب؛ ولكن يمكن التخفيف من وطأته وآثاره المستقبلية من خلال بعض الإجراءات، مثل مساعدة الدولة على دفع رواتب القطاع العام، وتعزيز الزراعة المُستدامة ودعم مضاعفة الإنتاج الزراعي ودخل صغار منتجي الأغذية؛ بالذات النساء والمجتمعات الريفية. ويشمل بعض الإجراءات الأخرى حفر الآبار وتوصيل مياه شرب نظيفة، وبناء المدارس والمساكن في المجتمعات شديدة الفقر.