ترجمة..

معهد الشرق الأوسط | معاهدة الدفاع الإسرائيلية الأمريكية ستدمر العلاقات مع الدول العربية

إن محاولات الزعيم الإسرائيلي المدان للخروج من مأزقه، من خلال معاهدة دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في مواجهة للفلسطينيين وغيرهم من العرب، ستكون كارثية على المصلحة الوطنية لأمريكا.

فوفقًا لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقّعتها جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، بما في ذلك فلسطين عام 1950، يعدّ الهجوم على أي عضو بمثابة هجوم على جميع الأعضاء؛ وبالتالي فإن الحاجة إلى تحديد حدود إسرائيل هي إحدى المشكلات الأولى في أي معاهدة للدفاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

هل ستكون الحدود المعترف بها دوليًّا قبل يونيو 1967؟ أم هل ستضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل من جانب واحد؟ ماذا عن غور الأردن، الذي وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مؤخرًا بضمه؟

سوف تتفاقم الأزمة إذا ضمّت إسرائيل الجزء الشرقي الكبير من الضفة الغربية المحتلة، حيث المشروع المقترح لضم وادي الأردن وشمال البحر الميت لا يعني موت حل الدولتين فحسب، بل من المحتمل أيضًا أن يلغي معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل لعام 1994.

قد تؤدي زيارة نتنياهو المفاجئة إلى لشبونة في 4 ديسمبر للقاء وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، والاقتراح العام الذي تلا ذلك لمعاهدة دفاع مشتركة، إلى تعقيد الشرق الأوسط المشتعل بالفعل، وتدمير العلاقات الاستراتيجية الأمريكية مع حلفائها العرب.

فمن جانبه، قال العاهل الأردني الملك "عبد الله الثاني" إن العلاقة الحالية بين الأردن وإسرائيل "في أدنى مستوياتها على الإطلاق".

ومنذ أكثر من عامين، رفض الملك تلقي أي مكالمات هاتفية من نتنياهو، كما أنه يتهم الزعيم الإسرائيلي اليميني بانتهاكه المتكرر للتفاهم الذي أبرماه في عام 2014، والذي تعهدت فيه كلٌّ من إسرائيل والأردن بالحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى في القدس، حيث اتفق الزعيمان على أن موقع التراث العالمي لليونسكو هو مِلك "للمسلمين للصلاة فيه وملك للجميع أن يزوروه".

وعلى الرغم من هذا التفاهم الذي توسّط فيه وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "جون كيري"، يواصل المتطرفون اليهود زياراتهم الاستفزازية إلى الموقع للصلاة، بينما يدعون إلى تدمير المسجد وإعادة بناء معبدين يهوديين زاعمين وجودهما في الأزمنة الغابرة.

وقد صرح مسئولو الشرطة الإسرائيلية في أغسطس بأن السماح لليهود داخل المنطقة كان "بدعم من كبار المسئولين السياسيين". كما أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يتولى معالجة القضايا الحساسة المتعلقة بالأقصى.

هذا، ولن تقتصر مشكلات إسرائيل والولايات المتحدة على الفلسطينيين والأردن إذا ما تقدما باتفاق دفاعي، فجميع أعضاء جامعة الدول العربية الـ 23 ملزمون قانونًا بحماية دولة فلسطين وأي دولة عضو أخرى إذا ما تعرضت لهجوم عسكري.

أما بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية المؤقتة والرئيس الأمريكي، الذي سيواجه المساءلة، فحتى النظر في مثل هذا الاتفاق الاستراتيجي، هو حماقة محضة. فعلى مدار أكثر من عشر سنوات، حظي نتنياهو بثقة ودعم غالبية أعضاء الكنيست، لكنه لم يتمكن من تمرير مثل هذا الاتفاق الدفاعي أو ضم المزيد من الأراضي المحتلة.

إن القيام بذلك أثناء وجوده في حكومة انتقالية وبعد إدانة جنائية ليس له أي معنى أخلاقي أو سياسي. كما أن المحاولة الأنانية التي يقوم بها نتنياهو المحاصر لإظهار أنه يختلف عن جميع خصومه السياسيين لن تساعد في تعزيز عملية السلام مع الفلسطينيين بل ستعرض جهوده لتحسين العلاقات مع بعض الدول العربية المعتدلة للخطر.

ومن جانبها، أدانت المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى تعهد نتنياهو بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وشددت على الالتزام بخطة السلام العربية التي تدعو جميع الدول العربية الـ 57 والأغلبية المسلمة إلى إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل إذا وافقت على الانسحاب من المناطق العربية التي احتلتها في يونيو 1967 والاتفاق المشترك على إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

ولكن طوال السنوات السابقة تحالفت السياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية ولم تتوقف واشنطن عن مساعدة إسرائيل. ففي عام 2016، وقّعت إدارة أوباما على اتفاقية مدتها 10 سنوات بقيمة 38 مليار دولار لدعم إسرائيل بمنح عسكرية ومدنية. فالولايات المتحدة تمنح إسرائيل أفضل معداتها العسكرية، كما أنها ملتزمة بالحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري على جيرانها العرب.

إن معاهدة الدفاع المشتركة الأمريكية الإسرائيلية المقترحة ليست أكثر من هدية سياسية لزعيم إسرائيلي محاصر في تهم جنائية، لا يستطيع الحصول على الدعم من شعبه والمسئولين المنتخبين للبقاء في منصبه كرئيس للوزراء. ولم يكن هذا الاتفاق خطيرًا وغير مُجدٍ فقط؛ بل إن فكرة مناقشته هي جزء من تصرف فاسد لا يخدم المصالح الإسرائيلية أو الأمريكية.. إنه يخدم فقط مصالح رئيس الوزراء نتنياهو!

كان الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ثابتًا في إعلان دعمه لمفاوضات السلام ورفضه لأي مقاومة عنيفة لإسرائيل، فقد حافظت الحكومة الفلسطينية على تنسيقها الأمني مع إسرائيل على الرغم من الفجوة السياسية الهائلة التي تفصل الفلسطينيين عن المحتلين الإسرائيليين، كما يتجلى ذلك في تخلي الفلسطينيين علنًا عن اتفاقيات أوسلو.

لذلك، فإن أي محاولة أو حتى ظهور محاولة لمناقشة تحالف عسكري أمريكي – إسرائيلي سيكون عملًا آخر من أعمال دعاة الحروب لا يريدها أحد في الشرق الأوسط. يجب على واشنطن أن تنضم إلى الفلسطينيين ومعظم الإسرائيليين وبقية العالم في الضغط من أجل التوصل إلى حل سلمي قائم على حل الدولتين، مع قيام دولة فلسطينية ديمقراطية في حدود 4 يونيو 1967 إلى جوار إسرائيل مسالمة وآمنة.