اليمن..
كيوبوست: هل تنجح الحكومة الجديدة في إنقاذ البلاد؟

توقيع اتفاق الرياض في عام 2019 - أرشيف
لطالما تم الحديث عن التحديات التي ستواجه تنفيذ اتفاق الرياض منذ توقيعه في نوفمبر عام 2019.. اليوم، وبعد مرور أكثر من عام، يمكن القول إنه تم التغلب على أحد أهم تلك التحديات، والمتمثل في تشكيل حكومة كفاءات مناصفةً بين الجنوب والشمال، وإن كان ذلك قد أخذ الكثير من الوقت بالفعل.
يُنظر إلى اتفاق الرياض بشكل عام على أنه اتفاق مصالحة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ لكن المجلس الانتقالي ينوِّه دائماً بأن الاتفاق يهدف أيضاً إلى تعزيز الشراكة مع الحكومة، وفي الوقت نفسه المُضي قُدماً لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر للجنوبيين، والذي يتجسَّد في استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل عام 1990.
لا شك أن تشكيل حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال يمكن أن يُسهم بشكل كبير في خفض التوتر بين الطرفَين، وإيجاد بدائل مقبولة لحرب أهلية طويلة المدى؛ وذلك من خلال خلق الاتفاق على المبادئ الأساسية للنظام داخل المجتمع السياسي للدولة. بعضٌ من أهم اختصاصات الحكومة يشمل إعداد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والداخلية، وإعداد مشروع الخطة الاقتصادية للدولة والميزانية السنوية. من هذه الناحية، يمكن للحكومة الجديدة العمل على حل الكثير من الإشكالات الاقتصادية، وتقريب وجهات النظر ورأب الصدوع العميقة في ما يتعلق بالحلفاء والأيديولوجيات، وتوجيه وتنسيق أعمال الوزارات.. وغيرها من مؤسسات الدولة بما يتناسب مع تطلعات الجنوبيين ومبادئهم، وبما يحِد من تهميشهم.
من المسلَّم به أن الحروب والهزائم العسكرية تزيد من احتمالية الانهيار العنيف للحكومات، وتسهم عوامل أخرى في فرض مزيد من التحدي والأزمات؛ مثل تفكك السكان والسُّلطة، وتوافر الأسلحة، وفقدان القادة شرعيتهم في نظر السكان. في الواقع، كان لكل ما سبق دور أساسي في إجهاض أية محاولة، إن كانت هناك واحدة معقولة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه طوال الفترة الماضية في اليمن.
لقد فرضت الأزمات الحادة التي يعيشها اليمن، منذ عقد من الزمان تقريباً، مطالب غير عادية على القيادة السياسية في مختلف المستويات. هناك إجماع بين الخبراء على أن كفاءة القيادة السياسية حاسمة للغاية لخلق الاستقرار، ويمكن الحصول على الكفاءات والتمتع بمزاياها من خلال التنافس الحر والنزيه على المناصب القيادية، وتوافر أساليب ومعايير راسخة وحازمة لاختيار واستبدال القادة. تقع مهمة تعيين وعزل الموظفين القياديين على عاتق الحكومة، إضافة إلى رسم وتنفيذ السياسة الهادفة إلى تنمية الكوادر الفنية في أجهزة الدولة، وتأهيل القوى البشرية وفقاً لاحتياجات البلاد، ومن المأمول أن يؤثر الجنوبيون على قرارات تعيين أولئك القادة، وهي قرارات لم تسلم كثيراً من الوصف بالمحسوبية أو سوء الاختيار في ما مضى.
تحديات اقتصادية
ولكن الصراع في اليمن والانهيار العنيف في الحكومة ليسا وليدَي الاختلاف والأزمات السياسية فحسب؛ إذ تعمل الأزمات الحادة على خلق المزيد من عدم الاستقرار، وتعاني البلاد أزمات اقتصادية متكررة تعمل باستمرار وبقوة على تشويه سمعة القيادات السياسية والإدارية وفقدانهم القبول الجماهيري، وبالتالي الشرعية. يتمثل أحد أبرز مؤشرات الأزمات الاقتصادية في تصاعد فقدان العملة المحلية قيمتها أمام العملات الأخرى؛ وهو ما يؤدي إلى ارتفاع متزايد في الأسعار لدرجة تهدد ملايين اليمنيين بالمجاعة.
تشمل إحدى أبرز مهام الحكومة إعداد الخطة الاقتصادية وميزانية الدولة، والإشراف على تنظيم وإدارة نُظم النقد والائتمان والتأمين، وعقد القروض ومنحها، والموافقة على المعاهدات والاتفاقيات قبل عرضها على مجلس النواب ورئيس الجمهورية. في الأوضاع الطبيعية، تُعد قدرة الحكومة على تنظيم الاقتصاد والسيطرة عليه أحد الاختبارات الرئيسية لنجاحها، أما في زمن الحروب فتعتبر هذه المسألة حاسمة وحساسة للغاية؛ إذ قد تُجبَر الحكومات على السيطرة على قطاعات اقتصادية كاملة، أو تُخضِع القوى العاملة أو بعض القطاعات للتوجيه العسكري، أو قد تستدعي الاستراتيجيات العسكرية عمل إجراءات معينة تقيِّد النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تقنين الأسعار وتنظيمها.
وكما هو معروف، فإن أحد أهم أسباب استقرار وتحسُّن قيمة العملة المحلية يرتبط بشكل وثيق بحجم التصدير داخل البلاد؛ فعلى سبيل المثال، في الحالة اليمنية، كان سعر الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني في عام 2018 يدور حول الـ500 ريـال. في ذلك العام، بلغت قيمة المنتجات اليمنية المصدرة 1.53 مليار دولار. وبالرجوع إلى الوراء أكثر، نرى أن سعر الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني في عام 2015 كان في حدود الـ250 ريـالاً، وفي ذلك العام، كانت قيمة صادرات السلع 2.09 مليار دولار، بينما بلغت الخدمات المصدرة؛ مثل خدمات النقل البحري والجوي، نحو 225 مليون دولار.
عُملة يمنية من فئة الـ500 ريـال
تسببت الحرب في عرقلة الكثير من الأنشطة الاقتصادية الجالبة للعملة الأجنبية؛ مثل تصدير الغاز، الذي شكل 34.7% من قيمة الصادرات في عام 2015، وكذلك عرقلة أنشطة الملاحة البحرية والجوية، ناهيك بجذب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الخارجية الموجهة إلى البنية التحتية وتوقف قطاع السياحة وغياب الإدارة الفاعلة للاقتصاد السمكي.. وغيرها. لذلك كله، لن يكون إنقاذ العملة المحلية، ومعه الحكومة، محصوراً في ضخ مبالغ مالية من الحكومات الصديقة، وفي مقدمتها السعودية، في البنك المركزي، وإن كان ذلك سيؤدي إلى تحسُّن ملحوظ لكنه غير دائم، ما لم تستعِد الدولة كامل أنشطتها الاقتصادية وتدير ماليتها العامة بكفاءة؛ بما في ذلك استقرار الاقتصاد الكلي.
إجمالاً، يُعد الاتفاق على تشكيل حكومة يمنية مناصفةً عاملاً مهماً لتخفيف التوتر وتجنّب الصراع، وخطوة مهمة لإدارة التغيير السياسي الجذري أو على الأقل خفض وتيرته. سيكون إثبات كفاءة الحكومة الجديدة أمراً صارماً بلا شك؛ لكن ذلك ليس التحدِّي الوحيد الذي يمكن أن يظهر في الأفق؛ إذ إن هناك تحديات أخرى يمكن أن تطفو على السطح، منها رفع الحوثيين سقف طموحاتهم في أي محادثات سياسية للسلام أسوة بالجنوبيين، وعدم استبعاد تعليق الوزراء الجنوبيين مهامهم عندما يشعرون بعدم تجاوب بقية الأعضاء أو الكيانات السياسية والإدارية، وعدم فعالية المجالس المحلية؛ بما في ذلك الدور التوجيهي والإشرافي والرقابي، وأخيراً وليس آخراً استمرار عدم فعالية البرلمان بما يكفي لأداء مهامه التشريعية والرقابية، وهذه الأخيرة تشمل رقابة ومحاسبة الوزراء أنفسهم، وقبل ذلك منحهم الثقة لمزاولة عملهم.