اليمن..
تقرير: هل يقود استهداف الحكومة اليمنية العودة إلى نقطة الصفر؟

جانب من الدمار الذي خلفه الانفجار
لا يكاد اليمنيون يخطون خطوة نحو السلام حتى يتراجعوا خطواتٍ، هكذا الحال منذ سنوات، كلما أُطفئت نارُ حربٍ أُشعلت أخرى، وأحدثها الهجوم الإرهابي الذي استهدف الحكومة الجديدة في عدن، والذي أوقع ما لا يقل عن مئة ضحية بين قتيل وجريح، يوم الأربعاء، 30 ديسمبر.
كان وصول الحكومة اليمنية الشرعية الجديدة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن هو ثمرة جهود دبلوماسية مضنية على مدى أكثر من عام؛ من أجل تخفيف التوتر بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، ومن أجل توحيد الجهود وإيجاد طرق بديلة لتحقيق المصالح بعيداً عن اللجوء إلى العنف.
أنعش تشكيل حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب آمال الجنوبيين الذي يتوقون للسلام، لكن الآمال قُوبلت بخيبةٍ شديدة عندما تم استهداف الحكومة بهجوم صاروخي ضرب صالة الانتظار بمطار عدن، في الوقت الذي كان يستعد فيه الوزراء للنزول من الطائرة التي أقلتهم للتو من الرياض، ولم تكن تبعد سوى أمتار عن الانفجار.
وقع عشرات المدنيين ضحايا الانفجارات الثلاثة التي هزّت المطار؛ من بين الضحايا مسؤولون محليون وإعلاميون وموظفون بالصليب الأحمر، وفي حين أن ذلك كان بلا شك محبطاً ومحزناً للغاية، فإن الهجوم كان من الممكن أن يكون أكثر مأساوية إذا ما نجح في إصابة هدفه الأساسي، وهو الحكومة الجديدة؛ وعلى رأسها رئيس الوزراء.
تتجه أصابع الاتهام مباشرة إلى جماعة الحوثيين المتمردين المدعومين من إيران، إلا أن التحقيقات جارية لمعرفة المزيد من التفاصيل والإثباتات، وقد وجّه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بتشكيل لجنة للتحقيق في الهجوم، وهناك عدة دعوات لفتح تحقيق دولي سريع وعادل ونزيه.
لا يُعرف حتى الآن نوع القذيفة أو مصدرها، هناك تكهنات أولية متضاربة تناقلتها وسائل إعلام محلية ورواها شهود عيان؛ منها أن قذائف من نوع هاون أُطلقت من مطار تعز الواقع تحت سيطرة الحوثيين، لكن هذه الرواية غير دقيقة؛ إذ لا يتعدى مدى قذائف الهاون مسافة عشرة كيلومترات، ويمكن زيادة المدى إلى 13 كيلومتراً عند تدعيم القذيفة بالصواريخ، لكن مطار تعز يبعد عن مطار عدن أكثر من 130 كيلومتراً؛ ما يجعل الهدف بعيداً بالنسبة إلى قذيفة الهاون.
ومع ذلك، يمتلك الحوثيون مقذوفات أخرى يمكنها أن تبلغ هذا المدى، إذا ما افترضنا أن عملية الإطلاق تمت بالفعل من محافظة تعز؛ وهي صواريخ “زلزال” إيرانية الصنع، حيث يصل مدى صاروخ “زلزال-1” إلى 150 كيلومتراً، ويصل مدى صاروخ “زلزال-2” إلى 200 كيلومتر، وقد سبق أن استخدم الحوثيون صاروخ “زلزال-2” لضرب أهداف داخل المملكة العربية السعودية.
تشمل الروايات الأخرى استخدام الحوثيين طائرات مسيّرة في الهجوم، إما لحمل وإطلاق القذائف وإما مفخخة، وقد أُعلن بُعيد إصابة المطار عن إسقاط مُسيّرة كانت تُحلق فوق القصر الرئاسي (المعاشيق) الواقع على بُعد عشرة كيلومترات من المطار؛ حيث تم نقل الحكومة إليه مباشرة بعد الحادث.
وعلى أية حال، يمكن لتحقيقات الخبراء أن تفصل في نوعية القذيفة واتجاهها ومصدرها، ويمكن للنتائج أن تكون حاسمة في الكشف عن الجهة المتورطة. بالنسبة إلى الكثير من المراقبين، هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى اتهام الحوثيين؛ إذ سبق أن حاصرت هذه الجماعة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في منزله بصنعاء في عام 2015، ثم قامت طائرة تابعة لهم بقصف القصر الرئاسي في عدن أثناء إقامة هادي به في نفس العام، كما نجا رئيس الوزراء السابق خالد بحاح، من قصف حوثي استهدف فندقاً كان يتخذه بحاح مقراً له في عام 2015، ناهيك بعددٍ لا يُحصى من استهداف المنشآت المدنية طوال السنوات الماضية؛ كالمستشفيات والمدارس.
كان تدخل التحالف العربي في مارس 2015 حاسماً في إيقاف تمدد الحوثيين، الذين كانوا اقتحموا عدن بعد أن أسقطوا العاصمة صنعاء. كان التدخل استراتيجياً أيضاً؛ حيث حُرم الحوثيون من الموارد المهمة في الجنوب من نفط وغاز، وموانئ مهمة.. وهي موارد ومزايا من الممكن أن تُطيل أمد الحرب، وتزيد من بشاعتها إذا ما وقعت بأيدي المتمردين.
اليوم، يُعيد استهدافُ الحكومة الجديدة إلى الذاكرة الأسبابَ التي أجبرت الحكومات السابقة على أن تكون حكومات منفية في الخارج؛ وهو الأمن. لا شك أن بقاء الحكومة في المنفى لفترة طويلة جعل شرعيتها محل تساؤل في نظر المواطنين، كما زاد من حِدة الأزمة وعدم الاستقرار الافتقار إلى الإحساس بسلطة الدولة، والولاءات المنشقة وتعاطف إيران وحلفائها مع المتمردين، وغياب الاتفاق العام على الشكل المناسب للعمل السياسي.
وفي الوقت الذي ينجح فيه المجلس الانتقالي الجنوبي، والحكومة الشرعية، والتحالف العربي؛ وفي مقدمتها السعودية والإمارات، في الحد الأدنى من التوافق للعودة إلى المسار الصحيح، تأتي أحداث عدن الأخيرة مهددة بالعودة إلى نقطة الصفر. وعلى الرغم من أن هذه الأحداث تدعو إلى التشاؤم؛ فإن رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك، قد ظهر في مقطع فيديو بعد الحادث قائلاً إن الحكومة “في عدن لتبقى”. بدا رئيس الوزراء مُنهكاً؛ لكن شجاعته والظهور في ذلك التوقيت كانا مثيرَين للإعجاب. سيكون تنفيذ وعده بالبقاء في عدن، والعمل على تفعيل قيام الدولة بمهامها الأساسية، والحفاظ على المكاسب مهمة في غاية الصعوبة.
وفي ما عدا التحديات المتعلقة بالإدارة العامة للبلاد المدمرة، وسير المفاوضات الشاملة، فإن موضع التساؤل المهم الآن هو ما إذا كانت الأحداث الأخيرة ستكون بداية لسلسلة معارك جديدة؛ وهو أمرٌ ينبغي أن يتجنّبه الحوثيون قبل أي طرف آخر، ففي أزمات الحروب الأهلية يكون من حُسن الطالع إمكانية خلق قنوات راسخة ومفتوحة للعمل السياسي، وإجراءات فعالة بنيات حسنة لحل المظالم، ولقد كان التزام الجنوبيين بقواعد اللعبة هذه مثمراً، وعلى الحوثي، أو أي قوى مُفسدة أخرى، تعلُّم الدرس إن أرادوا الخير لليمن والمنطقة.