تقرير..

كيوبوست: لماذا باع رجل ابنته "ليمون" في اليمن؟

الطفلة ليمون مع الرجل الذي اشتراها

كيوبوست

دائماً ما يقترن اسم محافظة إب اليمنية بجمال الطبيعة والناس، وبالتالي بالسلام والهدوء؛ لكن هذه المحافظة باتت ساحة جرائم بشعة خلال السنوات الأخيرة، حيث وقعت تحت سيطرة المتمردين الحوثيين منذ سنوات، كمعظم أجزاء البلاد الشمالية، وأصبح لا يكاد يمر يوم إلا وتقع بها جريمة ما؛ آخرها بيع الطفلة ليمون.

وقعت حادثة بيع الطفلة ليمون، التي لا يزيد عمرها على السنوات الخمس، في عام 2019؛ لكن تم نشر وثيقة البيع مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أظهرت الوثيقة تفاصيل قيام والد الطفلة ببيع ابنته مقابل مبلغ 200 ألف ريال يمني (نحو 300 دولار أمريكي)؛ دُفع نصفه لطليقة الوالد بعد عجزه عن تسليم حقوقها.

أثار نشر الوثيقة الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، وأسفرت عن تحرك نشطاء وصحفيين لإعادة الطفلة، وقد أثمرت تلك الجهود خلال فترة وجيزة للغاية، مسلطة الضوء على واحدة من أكثر الظواهر اليمنية تجذراً لا تزال موجودة إلى اليوم، وهي العبودية؛ التي تعني في أبسط تعاريفها امتلاك فرد لآخر.

عبودية مقبولة

وُجدت العبودية في اليمن منذ القِدم، كما هي الحال في العديد من المجتمعات حول العالم. وعلى الرغم من مصادقة اليمن على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، والذي ينص على عدم جواز الاستعباد؛ فإن التطبيق الفعلي لا يزال غير فعّال، حيث ظلت بعضُ الأسر تتقبَّل الاحتفاظ بالعبيد الذين يتم توارثهم مع أبنائهم، ويتم إخضاعهم للعمل لصالح ملَّاكهم أو سادتهم، كما هو حاصل في محافظة حجة في أقصى الشمال الغربي من البلاد.

يُحتفظ بالعبيد غالباً لأداء المهام المنزلية، إضافة إلى القيام بالأعمال الزراعية والمهام الشاقة كالرعي وجمع الحطب؛ وهو ما يؤدي إلى استمرار وجودهم في المناطق الزراعية شبه المعزولة من اليمن. تُعرف محافظة حجة بوجود بعض الأُسر التي لا تزال تمتلك العبيد إلى اليوم؛ وهي محافظة يعتمد سكانها على الزراعة والرعي، أما محافظة إب، التي وقعت فيها حادثة بيع الطفلة ليمون، فتعرف بـ”اللواء الأخضر”؛ لكثرة الزراعة بها، واعتماد السكان عليها.

ولكن الاستعباد لم يكن دائماً لغرض امتلاك الأيدي العاملة؛ فمن الناحية التاريخية اُستعبد بعضُ الناس كعقوبة على الجريمة أو عدم الوفاء بالديون، كما تم بيع البعض الآخر من قِبل آبائهم أو أقاربهم لسداد الديون، وأحياناً للهرب من الجوع والفاقة.. في مثل هذه الحالات، قد يكون دور المشتري مُنقِذاً في البداية؛ لكن ذلك لا يضمن بأية حال من الأحوال تحويل الشخص المُباع إلى عبد للقيام بالوظائف المعروفة، أو يصبح ضحية لجريمة الاتجار بالبشر، والتي تُعد الصورة الحديثة للاستعباد.


كان الهدف من بيع الطفلة ليمون هو سداد الديون، حسب ما أظهرت وثيقة البيع. وعندما أُعيدت ليمون إلى والدها، تم تصويره بالفيديو وهو يؤكد بيعها لسد حاجته إلى المال، وبسبب “الجوع والعطش” على حد تعبيره. يبعث تصريح الوالد على الخوف، ويبيِّن حجم الكارثة التي وصل إليها اليمنيون بسبب الصراع وشلل الاقتصاد والفساد وغياب القانون.

اتجار بالبشر

ربما تختلف قصة الطفلة ليمون عن مجتمع العبيد بشكل عام في اليمن. ومع ذلك، تبقى الحادثة مصدر قلق كبير؛ إذ قد تكون واحدة من عدة قصص للاتجار بالبشر والاستعباد التي لا تزال سرية للغاية بسبب ما يمثله الضحايا من قيمة اقتصادية، وبسبب سيطرة بعض أصحاب النفوذ والشبكات الإجرامية على هذا النشاط، أو ببساطة لكون بعض المجتمعات تتقبل هذه الظاهرة، وهي ترى في التحدث العلني عنها تهديداً لممتلكاتهم المشروعة برأيهم؛ أي العبيد.

من ناحية أخرى، تُبرز قصة ليمون مشكلة أخرى تتمثل في مدى الضرر الاجتماعي والازدراء الذي يمكن أن يحدثه استعباد المجتمع لأفراده؛ حيث إن العبد غالباً ما يكون دخيلاً على المجتمع، كأن يكون مختلفاً عِرقياً، وليس من أفراده كما هي حال ليمون.

في الماضي، عندما تكون هناك الكثير من الأعمال المطلوب إنجازها والقليل من اليد العاملة، كان العبد يمثل قيمة اقتصادية كبيرة للملاك الذين يتوقون للمكاسب المالية؛ ولكن عندما يتدهور الاقتصاد يصبح الاحتفاظ بالعبيد مُكلفاً وغير ذي جدوى.

اليوم، لا يختلف الوضع في اليمن عما كانت عليه الحال في نظام العبيد المرتبط بالاقتصاد؛ إذ أكد شهود وتقارير صحفية ومنظمات حقوقية في اليمن، منذ سنوات، قيام بعض ملَّاك العبيد ببيع عبيدهم لغرض الاتجار بالبشر؛ حيث بِيع عبيدٌ لزبائن داخل وخارج اليمن. يُعرف الاتجار بالبشر بأنه نقل ملكية الأشخاص لأغراض قد تشمل الاستغلال الجنسي أو العمل بالسخرة أو العبودية أو نزع الأعضاء البشرية لبيعها. وحسب إحدى المقابلات الصحفية مع مالك عبيد في اليمن، فإن المالك، أو ما يُطلق عليه السيد، قد يضطر إلى بيع عبده عندما تسوء أحواله الاقتصادية، ويقل العمل.


ربما تلفت قضية بيع الطفلة ليمون في اليمن النظر إلى ظاهرة قديمة بشعة يحرِّمها القانون الدولي؛ لكن في الجانب الآخر، لا يزال الاتجار بالبشر والاستعباد ظاهرة عالمية تحدث في أي مجتمع تقريباً. ووفقاً للأمم المتحدة، يقع آلاف الرجال والنساء والأطفال سنوياً في أيدي المتاجرين بالبشر. وحسب بعض الإحصاءات، فإن هناك ما يزيد على 40 مليون شخص حول العالم يعانون أحد أشكال العبودية، ما لا يقل عن 15 مليوناً منهم في شكل زواج إجباري؛ وهي ظاهرة أخرى منتشرة في اليمن، وقد لا يكون بيع الأطفال، كما حصل لليمون، سوى طريقة أخرى للتخلص من تكاليف تربية الفتاة عن طريق تمليكها لآخر قبل البلوغ؛ ليتمكن من الزواج بها لاحقاً متجنباً ما يفرضه عقد الزواج من واجبات.