تحذيرات من نذر مواجهة بين الطرفين
حسابات سياسية تغذي التوترات الحدودية بين السودان وإثيوبيا
تعكس الاتهامات المتبادلة بين الخرطوم وأديس أبابا والاستعراضات العسكرية الجارية في المنطقة الحدودية، عملية شد حبال بين الطرفين، وسط مخاوف من أن تفجر صراعا مسلحا في المنطقة، وإن كان البعض يستبعد الوصول إلى مثل هذا السيناريو.

مصير معلّق على الحدود
يسود التوتر العسكري المنطقة الحدودية بين السودان وإثيوبيا، وسط تحذيرات من نذر مواجهة بين الطرفين، في ظل إصرار كليهما على مواقفه وعدم رغبة كل منهما في التنازل للآخر والظهور في ثوب الطرف الأضعف.
ويقول مراقبون إن ما يعزز المخاوف أكثر أن لكل منهما حساباته من خلف هذا التصعيد، فأديس أبابا التي تواجه أزمة داخلية مركبة وتعاني من استنزاف في أكثر من إقليم ومنطقة وآخرها في بني شنقول – جومز، حيث سجلت الأربعاء مذبحة راح ضحيتها العشرات، من صالحها تصعيد الموقف مع السودان في سياق محاولة لإعادة خلط الأوراق.
وتبحث حكومة آبي أحمد عن شد العصب إليها مجددا بعد تضرر شعبيتها في الداخل، جراء الأزمات المتوالدة والصراع المستمر في إقليم تيغراي، بخلق عدو خارجي يلتف حول مواجهته الإثيوبيون، في تمش سبق أن انتهجته في تعاطيها مع ملف سد النهضة.
في المقابل فإن السودان ولاسيما المكون العسكري في السلطة الانتقالية يعتبر أن الظروف التي تعيش على وقعها إثيوبيا تشكل فرصة كبيرة لإعادة فرض سيادته على كامل المنطقة الحدودية، وتحقيق مكاسب سياسية جديدة يسوقها للداخل السوداني.
وأعلن السودان الأربعاء أن طائرة عسكرية إثيوبية اخترقت أجواءه في ما وصفه بأنه “تصعيد خطير”، علما أن المنطقة الحدودية المعنية شهدت اشتباكات دامية خلال الأسابيع الماضية.
ويدور التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا حول منطقة الفشقة التي تبلغ مساحتها نحو 250 كيلومترا مربعا ويؤكد السودان أحقيته بها في ما يستغل مزارعون إثيوبيون أراضيها الخصبة.
وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان “في تصعيد خطير وغير مبرر، اخترقت طائرة عسكرية إثيوبية الحدود السودانية الإثيوبية، الأمر الذي يمكن أن تكون له عواقب خطيرة ويتسبب في المزيد من التوتر في المنطقة الحدودية”.
وطالبت الخارجية السودانية إثيوبيا بالامتناع عن “تكرار مثل هذه الأعمال العدائية”، محذرة من أن لها “انعكاسات خطيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين”.
وتأتي التحذيرات السودانية في أعقاب جولة ميدانية قام بها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان رفقة رئيس هيئة الأركان بالجيش الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين لقوات بلاده في ولاية القضارف المتاخمة للحدود مع إثيوبيا.
وفي بداية ديسمبر، اتهم السودان “القوات والميليشيات” الإثيوبية بنصب كمين للقوات السودانية على طول الحدود، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود وإصابة أكثر من 20 عسكريا. ليعلن الجيش السوداني في 31 ديسمبر الماضي سيطرته على كامل المنطقة.
واتهمت إثيوبيا الأسبوع الماضي الجيش السوداني “بتنظيم هجمات باستخدام الرشاشات الثقيلة” وأن “العديد من المدنيين قتلوا وجرحوا”.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي الثلاثاء أن القوات السودانية مازالت تتقدم في المنطقة الحدودية، ووصف الخطوة بأنها انتهاك “غير مقبول” للقانون الدولي ويؤدي “إلى نتائج عكسية”.
في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا قالت فيه إن خمس نساء وطفلا قتلوا في هجوم نفذه مسلحون إثيوبيون في منطقة الفشقة.
وأوضحت أن الهجوم وقع ظهر الاثنين في محلة القريشة بشرق السودان، ووصفته بأنه “عدوان غادر نفذته عصابات الشفتة الإثيوبية”. وأكد البيان أن النساء “كن يعملن في حصاد محصولاتهن الزراعية”.
وسبق أن اتهمت إثيوبيا ضباطا عسكريين سودانيين بمحاولة استغلال القتال في منطقة تيغراي الواقعة في أقصى شمال إثيوبيا للضغط في الفشقة.
ودفع صراع تيغراي عشرات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين إلى العبور إلى السودان. ويشترك البلدان في حدود يبلغ طولها 1600 كيلومتر.
وتلقى خطوات الجيش السوداني في المنطقة الحدودية دعما من قبل شركاء الحكم في ظل قناعة بضرورة حسم المسألة، وأعلنت “قوى إعلان الحرية والتغيير” دعمها للجيش من أجل استعادة الأراضي السودانية شرقي البلاد.
وقال عضو المجلس المركزي لـ”قوى إعلان الحرية والتغيير”، إبراهيم الشيخ، في تصريحات صحافية الخميس “نؤكد على أهمية حشد الدعم السياسي والمعنوي للقوات المسلحة، بعد تمكنها من استرداد هذه المناطق بنسبة 90 في المئة”.
ووفق الكاتب والمحلل السياسي يوسف حمد، فإن “السلطة الانتقالية في السودان محاصرة بحماس ثوري يطالبها باستعادة وتحرير الأراضي المحتلة في الفشقة”.
وأضاف “أي تحرك في هذا الاتجاه يكسبها (السلطة) التأييد ويعالج إخفاقات النظام السابق ويطغى على التراجع الاقتصادي والسياسي المستهجن لدى الشارع السوداني الثائر”.
وفي عام 1902، تم إبرام اتفاق لترسيم الحدود بين بريطانيا، القوة الاستعمارية في السودان في ذلك الوقت، وإثيوبيا، لكن الترسيم بقي يفتقر إلى خطوط واضحة. وأجرى الجانبان محادثات حدودية نهاية العام الماضي.
وقال رئيس مفوضية الحدود (حكومية)، معاذ تنقو، في تصريحات صحافية إن الجهود التي بُذلت مع إثيوبيا، عبر الحكومات والحقب المختلفة، لوضع حد نهائي لترسيم الحدود، لم يتم حسمها حتى الآن؛ بسبب الحجج والدعاوى الكثيرة التي تثيرها إثيوبيا، وبينها الموارد المالية والاختلافات الكثيرة حول الحدود، إلى جانب وضع العلامات منذ الاستعمار.
ويأتي الخلاف الحدودي في وقت حساس بالنسبة إلى العلاقات بين البلدين خصوصا وسط مساع تشمل مصر أيضا للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي الضخم على النيل الأزرق.
وكان السودان صعد موقفه تجاه إثيوبيا حيال أزمة السد، في الفترة الأخيرة، ولوح بخيارات أخرى في حال تم رفض الاستجابة لشروطه بشأن المفاوضات حول هذا الملف. ويعتقد كثيرون أن تصعيد السودان في أزمة سد النهضة له علاقة بالتوتر الحدودي بين الطرفين.
ويرى ماجد محمد علي، وهو صحافي سوداني مهتم بشؤون القرن الأفريقي، أنه “بغض النظر عن دوافع تحرك السودان العسكري تجاه الحدود، فإن الحقيقة هي أنه استعاد أراضيه”.
وأضاف أن “تبعية منطقة الفشقة الصغرى والكبرى للسودان هو انتصار كبير، فما تم خلال السنوات العشرين الماضية من سيطرة المزارعين الإثيوبيين هو أشبه بالاستيطان، عبر مجموعات سكانية بأعداد كبيرة في مشاريع زراعية كبيرة”.
واستبعد أن تؤدي تطورات الصراع الحدودي إلى نشوب حرب بين البلدين، قائلا “لن تكون هناك حرب، بل مفاوضات يهدف الإثيوبيون من خلالها إلى عقد اتفاقيات لاستخدام الأراضي السودانية في الزراعة”.