قيادة جديدة بصدد تحويل الأزمة الاقتصادية من تحد إلى فرصة

تقدم سريع في حسم ملف توطين الوظائف يعكس إصرارا عمانيا على استكمال الإصلاحات

ملامح الإصلاح العميق الذي تعمل القيادة الجديدة في سلطنة عمان على إنجازه بدأت تتجسّد على أرض الواقع، وتطال ملفات ذات أهمية للعمانيين وانعكاس مباشر على معيشهم اليومي مثل قضية توطين الوظائف، وإفساح المجال أمام اليد العاملة الوطنية المقبلة بشكل متزايد على سوق العمل.

وافدون قاموا بدورهم وحان وقت مغادرتهم

مسقط

 أعلن الأحد في سلطنة عمان استثناء المقيمين الأجانب من عدة قطاعات ومهن لتصبح حكرا على المواطنين في الدولة الساعية لتنفيذ حزمة كبيرة من الإصلاحات يطال كثير منها الاقتصاد، سعيا لتنشيطه والرفع من إنتاجيته، بما في ذلك خلق المزيد من الوظائف للمواطنين العمانيين المقبلين على سوق العمل بشكل متزايد.

وأعلنت وزارة العمل العمانية على تويتر “توطين عدد من المهن في منشآت القطاع الخاص حيث سيتم تطبيقها بعدم تجديد تراخيص مزاولة العمل للعاملين حاليا بعد انتهائها”.

وأوضحت أن ممارسة هذه المهن “ستقتصر على العمانيين فقط”، على أن تدخل حيز التنفيذ بعد نحو ستة أشهر.

ولا يتوقّع متابعون للشأن العماني أن تطرح الشركات الخاصة والمستثمرون أي إشكالات حول تنفيذ القرار الحكومي، نظرا لما تمتّعت به تلك الشركات من مزايا وتسهيلات، من جهة، ونظرا أيضا لحرصها على مواصلة العمل في عمان التي تظلّ بيئة مناسبة للاستثمار بما تتميّز به من أمن واستقرار، ومن استمرارية للدولة تجلّت في عملية انتقال السلطة بهدوء فريد بعد وفاة سلطان عمان السابق قابوس بن سعيد مطلع العام الماضي، واستلام السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم من بعده.

والقرار الأخير بما تترتب عليه من إجراءات وردود فعل، خصوصا في سوق اعتاد على استقدام عمالة رخيصة، يمثل إصرارا واضحا من القيادة العمانية الجديدة، ويرسم ملامح عهد السلطان هيثم وولي عهده ذي يزن بن هيثم اللذين أظهرا من خلال معالجتها للأزمة الاقتصادية والمالية الناجمة عن جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، قدرة على تحويل الأزمة من تحدّ إلى فرصة، وذلك من خلال تسريع الحسم في عدد من القضايا والملفّات المطروحة منذ عدّة سنوات، والدفع بإصلاحات طال انتظارها، ولم تعد الظروف المستجدّة تسمح بتأجيلها.

وينطبق ذلك على ملفّ العمالة الوافدة وما يرتبط به من عملية توطين للوظائف لإفساح مجال العمل أمام العقول والأيدي العاملة الوطنية، وتخفيف عبء التحويلات المالية للعمال الأجانب نحو بلدانهم الأصلية.

وتؤكّد الخطوات العمانية المتّخذة إلى حدّ الآن في هذا المجال، أن السلطنة اختارت الحسم الجذري والسريع للملف، وأنّها لا تنوي تقطيع عملية توطين الوظائف إلى دفعات، وهو ما يؤكّده إصدارها حزمة كبيرة من المجالات التي سيتم اقتصار العمل فيها على العمانيين دون الأجانب.

ومن بين المهن التي ستصبح حكرا على المواطنين العمانيين دون الوافدين، المهن الإدارية والمالية في شركات التأمين والبيع والمحاسبة والصرافة وترتيب البضائع في المحلات بالمجمعات التجارية الاستهلاكية، ومهن تدقيق الحسابات في وكالات السيارات.

كما تشمل بيع السيارات الجديدة والمستخدمة، ونشاط بيع قطع الغيار للمركبات الجديدة التابعة لوكالات السيارات، وقيادة المركبات الخاصة بنقل المواد الزراعية والوقود والمواد الغذائية.

وكانت عمان التي تواجه العديد من التحديات الاقتصادية بما في ذلك انخفاض أسعار النفط، دعت في أفريل الماضي الشركات العامة إلى استبدال موظفيها الأجانب في المواقع المسؤولة، بالمواطنين.

وشدّد وزير العمل العماني محاد بن سعيد باعوين لدى توجيه تلك الدعوة على أهمية تدريب وتأهيل القوى العاملة الوطنية على رأس العمل والاستفادة من الخدمات التي تقدمها الوزارة في هذا الجانب، مؤكّدا عمل السلطات على تذليل الصعوبات وتقديم التسهيلات اللازمة وتبسيط الإجراءات لتعزيز إسهام الشركات الحكومية في توفير وظائف جديدة للعمانيين، سواء بشكل مباشر فيها أو في الشركات التي تتعاقد معها من الباطن.

وأقام الملايين من الأجانب في دول الخليج منذ عقود، لكن هذه الدول بدأت خلال السنوات الأخيرة بتطبيق سياسات تهدف إلى تعزيز اندماج مواطنيها في سوق العمل، ضمن برامج أطلقت عليها عناوين مشتقّة من أسماء تلك الدول مثل “العَوْمنة” و”السَعْودة” و”التكويت”.

ويشكل الوافدون حوالي 40 في المئة من سكان عمان البالغ عددهم 4.5 مليون نسمة، لكنّ الظروف الاقتصادية والمالية للسلطنة لم تسمح باستقبال المزيد من العمال الأجانب الذين يشكّلون بما يحولونه من أموال نحو بلدانهم الأصلية مصدر استنزاف لرصيد السلطنة من العُملة.

وكشفت السلطنة هذا الشهر عن ميزانيتها للعام 2021 التي تلحظ عجزا بقيمة 5.7 مليار دولار رغم خفض الإنفاق بنسبة 14 في المئة، مع تضرر قطاعي الطاقة والسياحة على خلفية إجراءات الحد من انتشار فايروس كورونا المستجد.