كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
غالبا ما يتم تشبيه الحياة بالقطار. يهبط منه مسافرون ويصعد إليه آخرون ليلتحقوا بمَن لا يزال في مقعده ولم يصل إلى المحطة التي سيكون مضطرا فيها إلى النزول.
لا أحد من المسافرين في إمكانه أن يحدد محطة نزوله ذلك لأن التذكرة التي اُقتطعت له لا تحمل إشارة إلى المكان الذي ستنتهي فيه الرحلة. لذلك تساءل محمد عبدالوهاب “يا وابور قل لي رايحين على فين”.
وعبدالوهاب الذي مات عن 93 سنة بسكتة دماغية كان واحدا من أهم المسافرين الذين سيجري تذكرهم من قبل أجيال من المسافرين الذين لم يعاصروه غير أن موسيقاه وألحانه وأغانيه كانت جاهزة في استقبالهم كما لو أنه لا يزال مقيما في إحدى عربات القطار.
ذلك ما يصح قوله على الفيزيائي الألماني ألبرت آينشتاين الذي غادر القطار وهو في السادسة والسبعين من عمره.
مثل جيفارا ومانديلا ومدام كوري ومارسيل بروست ومارلين مونرو سيجد المسافرون صوره معلقة في ممرات القطار لأنه رجل شهير وسبب شهرته نظريته في النسبية التي صارت عنوانا لإنهاء الحوار بين المختلفين حين يُقال “إن الأمور نسبية”.
وليس من باب المبالغة أن يُقال إن من يفهم نظرية آينشتاين هم قلة من البشر. فهي عبارة عن معادلات رياضية تجريدية.
آينشتاين الشهير بشعره المنكوش غالبا ما يتداول المسافرون أقواله المأثورة وأخبار روحه المرحة واعترافاته بفشله في مقتبل حياته الدراسية من أجل أن يؤكدوا أنه كان مسافرا عاديا أُضطر في إحدى المحطات إلى أن يغادر القطار من غير أن تنفعه نظريته في النسبية.
ولكن السكتة الدماغية التي تعرض لها موسيقار الأجيال عبدالوهاب تظل ذات دلالة وهي حكاية استفهامية من الصعب أن يمر بها المرء بخفة.
فالرجل الذي ظل في كامل أناقته الموسيقية ولم تهزمه الذائقة الشعبية كان قد ألهم كوكب الشرق أم كلثوم أن تهبط من عليائها لتغني “أنت عمري” التي سترقص على موسيقاها سهير زكي في وقت لاحق.
كان ساحرا في كل تحولاته وإن اعترف بنفسه بأنه قد أخطأ حين استعار مقاطع موسيقية من كبار الموسيقيين العالميين. إلى أن قرر دماغه التوقف عن العمل كان في إمكانه أن يلهو من عليائه وما فعله بأم كلثوم لم يقلل من مكانتها بل وهبها هالة جديدة بالرغم من أنه قلل من مهارات صوتها.
لقد غادرت أم كلثوم القطار قبله بعد أن كان قد فتح لها الباب في اتجاه التعامل مع ملحنين كانوا أكثر خفة منه مثل بليغ حمدي. في المحطة التي هبط فيها كان دماغه قد توقف عن الخلق.