إيران تسير نحو التغيير!
نظام مير محمدي
في الأوضاع القلقة وغير المستقرة، فإنه وفي أغلب الاحيان يکون الهدوء غير العادي والذي يدفع للشعور بالو...
في الأوضاع القلقة وغير المستقرة، فإنه وفي أغلب الاحيان يکون الهدوء غير العادي والذي يدفع للشعور بالوحشة والخوف، وحشة وخوفا کالذي يشعر به الذي إرتکب جرما والظنون تتقاذف به من إحتمالات إعتقاله وجعله، هذا الهدوء الذي يفرض نفسه على هذه الأوضاع، يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة ولاسيما وإن النظام يشعر بنفسه داخل دائرة محاصرة بالمطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الواسعة في الداخل والضغوط المتزايدة من الخارج.
هذا الوضع الذي وصل إليه النظام، يعتبر وضعا إستثنائيا غير مسبوقا طوال ال46 عاما المنصرمة، حيث تحولت عمليات القمع السياسي والاجتماعي والنزعة التوسعية خارج الحدود إلى هزات يومية ضد النظام. ويترافق هذا الوضع مع تصاعد هائل للتناقضات داخل النظام، والتي لم تعد تقتصر على الالتفاف حول الولي الفقيه، بل في بعض الحالات، أصبح الولي الفقيه نفسه وممارساته السابقة في السياسة الداخلية والخارجية موضوعا للنزاع.
مخلفات ورکام أخطاء سياسات أکثر من أربعة عقود والازمات المتولدة من جرائها، وحالة الاحتقان السائدة في سائر أرجاء إيران من جراء الطريق المسدود الذي وصلت إليه الاوضاع السياسية والاجتماعية والفکرية والاقتصادية، توفر أفضل الاجواء الممهدة لحدوث إحتجاجات غير عادية قد تعصف بالنظام، وهذه حقيقة يدرکها القادة والمسٶولون ولا يتمکنوا من تجاهلها وهم وفي هکذا موقف يحتاجون الى طبخة أو سيناريو ما في سبيل تغيير مسار الاحداث وحتى جوهر القضية الملحة التي هي وصول النظام الى خط النهاية وعدم تمکنه من التصدي للأحداث والامور وحلحلتها.
ومن هنا فإن إطلاق الأخبار والهمسات حول إعادة إحياء الإرث الميت لـ "مشروع العفاف والحجاب" وتدريب "80 ألف شخص" لتنفيذه، هو إحدى هذه المناورات لصرف أنظار المجتمع ووسائل الإعلام عن الواقع المضطرب والهاوية الحالية التي يواجهها النظام. الهدف هو تحويل الأنظار عن القضية الرئيسية بين المجتمع والنظام؛ حتى لو كان ذلك على حساب دفع ثمن سياسي واجتماعي باهظ من جانب النظام. الحقيقة هي أن إعادة طرح قضية تجاوزها المجتمع، سيخلق أزمة أوسع من ذي قبل.
وبهذا السياق، فإن صحيفة "آرمان ملي" وفي عددها الصادر بتاريخ 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2025، وفي ظل خشيتها من الآثار السياسية والاجتماعية الخطيرة لإطلاق هذا المشروع، تناولت خلفيات هذه المسألة. التحذير الأول الذي تذكره هو الذاكرة التاريخية للمجتمع الإيراني وجاهزيته للانفجار في الظروف الراهنة: "جراح 2022 لم تلتئم بعد. إيران اليوم ليست إيران 2017 ولا حتى إيران 2022؛ فالأزمة الاقتصادية أعمق، والأثمان المدفوعة أكبر، والمجتمع أصبح أكثر حساسية وأسرع تفاعلا."
السٶال الذي يطرح نفسه هو؛ من أين وصلت وسائل الإعلام الحكومية إلى استنتاج "مجتمع أكثر حساسية وأسرع تفاعلا"؟ من هذا الوضع القائم بين المجتمع والنظام: "مجتمعا تجاوز حاجز الصمت، لا يمكن احتواؤه بالتعاميم والتهديدات. هذا هو نفس المسار الذي تكرر في عام 2022 بحدة ونطاق أكبر."، وهو نطاق يٶکد الحاجة الملحة جدا للتغيير في ظل حالة الجمود الفکري والعقائدي والسياسي التي إنتهى إليها النظام لکن مع ملاحظة مهمة وهي إن نطاق هذه المرحلة يختلف إختلافا کبير عن نطاق عام 2025، ذلك إن الصورة الان باتت واضحة جدا وإن کل مقومات وأسباب التغيير في إيران باتت متوفرة وحتى إن الاوضاع في إيران الان أسوأ مما کانت عليه في العام الذي سبق الثورة الإيرانية، ولذلك فإن کل السيناريوهات والالاعيب التي يمکن أن يفکر النظام بتنفيذها من أجل تغيير مسار الأمور ستکون أسوأ بکثير من تلك التي قام بها نظام الشاه وأزلامه في الايام الاخيرة من حکمه وإنها لن تحصد إلا خيبة وفشل أکبر من ذلك الذي حصده سلفه!
وفي الختام، فإن ما هو جلي وواضح هو أن خامنئي لا يملك القدرة على التخلص من الأزمات الهيكلية والقاتلة. فالنظام يواجه اقتصاداً منهاراً، وسياسةً في طريق مسدود، ومجتمعاً على أعتاب الانفجار، وإقليماً في الشرق الأوسط قد ابتعد عن محور طهران. إنّ نظاماً فقد شرعيته وتماسكه وقوة قمعه السابقة، لم يعد قادراً على ضمان بقائه عبر الترهيب أو الخداع. إنّ مستقبل هذا الحكم الظالم لن يُكتَب في استمرار بقائه، بل في سقوطه الحتمي الذي لا مفرَّ منه؛ سقوطٌ سيتحقق بقيام الشعب الإيراني والدور الفاعل للمقاومة المُنظَّمة.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني