كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
عندما تكون هناك كل هذه الصراعات والمؤامرات والألاعيب، وحيث إنّ كل مسؤول وعلى مستوى رؤساء الدول الأوروبية وأجهزتهم واستخباراتهم وهذا إن ليس كلهم فبمعظمهم يبتسمون ابتسامات مصطنعة في وجوه بعضهم، لكن كل واحد منهم يخطط للقضاء على الآخر والبعض يقول ومن دون أي إثباتات إن الولايات المتحدة هي التي تدير هذا كله وعلى أساس أنّ الأميركيين ليست لهم مصلحة واحدة في هذا وإنما مصالح متعددة وكثيرة في أن يشتبك الأوروبيون مع بعضهم وأن تتورط حتى بعض دول ما يسمى العالم الثالث في هذا الصراع الذي يأخذ في معظم الأوقات طابع المؤامرات والتآمر، وحقيقة أنّ هذا قد بات واضحاً ومكشوفاً ولا يحتاج إلى أدلة ولا إثباتات.
ربما أنّ البعض يقول إنّ هذه الأساليب هي أساليب عربية وإن المسؤول العربي في العادة يشبع «شقيقه» لثماً و«عبطاً» لكنه ما إن يدير ظهره إليه حتى يقول عنه أكثر مما قاله مالك في الخمر، وهذا وبالطبع ليس صحيحاً مكانياً، وإن ما تشهده أوروبا في هذا المجال لا تشهده دول العالم الثالث والعالم الرابع والخامس... والألف.
إنّ الأوروبيين، والمقصود هنا القادة وكبار المسؤولين وليس الشعوب التي حالها كحال بعض شعوبنا العربية التي عندما يصل بها اليأس إلى ذروته يكتفون بأن يقولوا: «فالج لا تعالج» وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الآن وفي هذه المرحلة «التحولية»، نجد أنّ غالبية القادة الأوروبيين وحتى قادة الدول التي توصف والتي تصف نفسها بأنها عظمى، وهي عظمى بالطبع طالما أن بعضها يمتلك الأسلحة النووية وأنّ البعض الآخر لا يزال له مستعمرات في أفريقيا تحديداً، ينامون ويستيقظون وهم يتابعون ما يجري في الولايات المتحدة التي هي إذا أردنا قول الحقيقة قد تجاوزت كل ما في الغرب وكل ما في الشرق ومع كل التقدير والاحترام للصين الشعبية وللهند ولروسيا هذه بقيادة فلاديمير بوتين التي قد تمردت على الغرب والشرق وباتت تتصرف على أساس أنها وريث الاتحاد السوفياتي الذي كان يعتبر في ذروة تألقه في الفترة الستالينية.. والمقصود هنا هو مرحلة جوزيف ستالين.
ثم وإنّ المقصود بهذا كله أنّ أوروبا، أي الدول الأوروبية، قد تخلت عن أدوارها التاريخية ويوم كان البريطانيون يهزون العالم كله ويوم كان فيه الفرنسيون يقررون مصائر شعوب بأكملها ومن بينها الجزائر المجاهدة التي كانت قد رضخت للاستعمار الفرنسي مائة واثنين وثلاثين عاماً.
والمفترض أنّ هذه التحولات التي قد تلاحقت في السنوات الأخيرة قد أدركتها الصين (الشعبية) وأدركتها اليابان وأدركتها أيضاً روسيا وكل الدول الرئيسية، فعالم اليوم هو غير عالم الأمس، ولذلك فإنّ جميع الأوروبيين قد باتت تهمهم الانتخابات الأميركية أكثر كثيراً مما تهمهم أي انتخابات أوروبية... فالقرار الكوني قد بات في واشنطن وليس في أي مكان آخر، ولذلك فإنّ الولايات المتحدة قد باتت تفرد جناحها على الكرة الأرضية كلها، وأنّ الدول التي كانت توصف بأنها عظمى قد أصبحت دولاً تابعة وليست متبوعة.
ولذلك فإنه علينا كعرب أن نقرأ الواقع الدولي قراءة صحيحة وأن يكف بعض أشقائنا الأعزاء المصابين بداء العظمة الوهمية عما هم غارقون فيه، فالعالم كله قد بات بقبضة الولايات المتحدة، وهذا من المؤكد أنّ دولاً أوروبية وغير أوروبية قد باتت تدركه وتتوقف عنده.
وحقيقة أنه لم يكن هناك من يعتقد أن بريطانيا العظمى هذه ستصبح دولة تابعة وليست متبوعة، وهذا وبالمقدار ذاته ينطبق على فرنسا وعلى دول أوروبية أخرى، ولذلك فإنه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحق عندما يدير ظهره لهؤلاء الأوروبيين ويتمسك بنظرية ورؤية روسيا العظمى وبحدودها التاريخية الموروثة ويرفض التعاطي مع الدول الأوروبية التي قد أصبحت تابعة وليست متبوعة، وهذا قبل أن تكون هناك كل هذه التحولات التاريخية.
ولذلك فإنّ الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتبر نفسه وريث روسيا العظمى ووريث الاتحاد السوفياتي لم يتنازل أمام مجموعة الاتحاد الأوروبي ولو بخطوة واحدة، لا بل إنّ بعض الأوروبيين قد باتوا يتقربون منه وعلى أساس أنّ موسكو هذه قد أصبحت مثابة كونية وعلى غرار ما كانت عليه الأوضاع في عهود سابقة، وهذا قد كان أيضاً في عهد جوزيف ستالين وفي عهود سابقة كانت فيها العاصمة الروسية مثابة دولية بقيت تتصدى للتمدد الأوروبي في أربع رياح الكرة الأرضية.
ولذلك فإنّ ما يهمنا كعرب أن ندرك أبعاد كل هذه التحولات التاريخية وأن يتخلى المصابون منا بعقدة الزعامة التاريخية وأن يدركوا هذا آنف الذكر كله وأنّ على من أخذوا عن بعض قادة دولنا حكاية: «طز في أميركا» أن يتخلوا عن العنتريات الفارغة التي لم تكن نتائجها إلا هذه الأوضاع المأساوية التي أدت إلى كل هذا التغلغل الإيراني السافر حتى في دول عربية رئيسية مثل العراق ولبنان وصولاً إلى اليمن الذي هو لم يعد «سعيداً» ولا هم يحزنون.
نحن نعرف أنّ الذين من بيننا يرفعون شعار «الموت لأميركا» مثلهم مثل الذين يرقصون في العتمة ويقيناً أنّ الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر نفوذاً في العالم كله، وأن على هؤلاء الذين قد أخذوا عن رجالات الولي الفقيه المعممين وغير المعممين شعار: «الموت لأميركا» أن يدركوا أن أميركا هذه تحكم العالم كله... وأنّه على تجار الشعارات الثورية أن يدركوا أنه سيأتي اليوم الذي سيتخلون فيه عن شعاراتهم.
وهكذا وحتى لا يستغل ثوار الشعارات البراقة بعض طيبي القلوب ويمرروا عليهم «زعبراتهم» وشعاراتهم الثورية ومن دون أي ثورة فإنه يجب إدراك هذا الواقع، والواقع هو أن الولايات المتحدة قد باتت تسيطر على العالم كله، وأنها لم تعد معنية بثوار الشعارات... والذين لا يملكون إلا قول: «ليخسأ الخاسئون».. أليس كذلك؟!