كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
عزلت نفسي في غرفتي دون رغبة في القراءة أو الكتابة، ورحت أتفحص وجه خروف العيد الذي جاء به جارنا وأسكنه السطح محاطا بالعلف والماء، وقد شدد من وثاق قيده وأحكم عليه الإغلاق، في انتظار لحظة الحسم صبيحة اليوم التالي.
كان ذلك الخروف الوديع يستدير برأسه نحو العلف والماء، ينظر في الأفق ثم يطلق بين الحين والآخر صيحة استغاثة يستجيب لها في كل مرة خروف أو إثنان على الأسطح في المنازل المجاورة.
كل ما كانت ترجوه تلك الخرفان هو أن تُحظى بجولة مسائية من طرف ملاّكيها، عساها أن تتبادل نظرات التوديع على الأقل، تحت أنظار أصحاب منصات جلخ وتهيئة السكاكين وبائعي العلف والفحم وشتى معدات الشواء، قبل أن تلقى حتفها.
كان الصبية والفتيان وحتى الكبار، يتباهون ويفاخرون بخرفانهم في ساحة الحي بل ويدعون بعضها إلى التشابك والنطاح فيأخذ “الحمقى” من تلك الخرفان الأمر على محمل الجد، ويدخل في معارك حامية الوطيس مع بني فروتهم، حتى أن منهم من يفقد قرنا مكسورا يلاقي به الجزار صبيحة يوم الغد.
كأني بهذه الخرفان تشبه جحافل العبيد التي كان يستقدمها قدماء الرومان ويجمعونها في انتظار الإلقاء بها في ساحات القتال أو المواجهة مع السباع الضارية في مسارح روما.
وبالعودة إلى جاري الخروف الوديع الذي يسكن السطح المجاور، فلقد ظلت رسائل الصياح المتبادل مع بني فروته تظهر وتختفي إلى أن فقد بعض أصحابها الأمل على ما يبدو فانبرى للسكوت، وسكت عن الصياح المباح.
لم يهن علي الأمر، وأحببت إعطاءه جرعة أمل ولو كاذبة، وإحساسا بأن ثمة من يقف إلى جانبه فأطلقت صوتي بكلمة “باع”.. رد “باع”.. وهكذا ظللنا نتبادل “الباعات”، ووجدت في ذلك تسلية أغنتني عن الكتابة والقراءة في غرفتي.
صباح اليوم التالي، لمحني جاري ذو الفروة السوداء، أتناول قهوتي على المكتب وهو يلتهم العلف بحماسة زائدة وكأنه يتهيأ لسباق.. ولم ينتبه إلى مالكه في الأسفل وهو يجهز السكين والساطور ومنصة الشواء.
بادرني ب “باع” فقلت في حشرجة “بااع”. انتبه جارنا في الأسفل فألقى علي تحية المعايدة ثم لامني لماذا أقفل باب البيت على خروفي في الداخل طالبا مني أن أخرجه في جولة صباحية قبل موعد الأضحية.
أربكني الأمر، ولم أستطع أن أقول له إني كنت أتبادل أطراف الحديث مع خروفه فاضطررت إلى مصارحته بأن خروفي يشكو مما يشبه نزلة البرد، وإني مضطر إلى إعفائه من الذبح.
استغرب جاري الأمر، ضحك لضعف حيلتي، ونصحني بالتعجيل في ذبحه خشية أن يستفحل به المرض.. حينها اضطررت إلى مغادرة البيت هائما بين سكاكين الذباحين وأكوام الجلود وروائح الرؤوس التي تصهرها نيران الشاليمو.. “بع باع.. بح باح”.