كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
شغلت العِراقيين تسجيلات لأمين حزب «الدّعوة» نوري المالكي، التي اشتهرت بالتّسريبات، ولا حاجة لإعادة ما حوته، وقد أصبحت بمتناول الجميع. لم يُشكك بها غير حزبه، الذي اعتبرها ببيان مجلس شورته الأخير أنها مِن فعل «أجهزة مخابرات ودولاً تريد أنْ يدفع العراق ضريبة تشريعه قانون تجريم التَّطبيع» (آفاق 23/7/2022)! فهل يصدق أحد أنَّ بوش وزادة اللَّذان أخذا بيد المالكي لرئاسة الوزراء مِن أعداء التَّطبيع! النَّاس ليس بهذه السَّذاجة. بما أنَّ الحزب المذكور لا يخلو مِن المخالفين لممارسات أمينه، فالتّسريبات لخطورتها لم ينقلها إلا العميل للعراق، والعمالةَ للوطن مدحةٌ لا مذمةٌ. فمَن يسمع التَّسريبات يعلم أَّنَّ مرورها يعني أنَّ العِراقَ غابةٌ، وإنْ كان بفضل التَّهديد بالسَّلاح ميليشياوياً وعشائرياً هو الأقرب للغابة.
نفهم مِن التَّسريبات، أنَّها غير مستغربة على المالكيِّ، فمثله ووضعه السَّابق يصعب عليه فقد حظوة تصدر أمر العِراق. ليس مانديلا(تـ: 2013) هو، ولا غيره ممَن تولوا المناصب مع اختلاف الدَّرجة، سُجن(27) عاماً ولم يُفَصّل كرسياً على مقاسه. عُرف سابقا بالمهمات الأمنيَّة على الطَّريق العسكري بين دمشق وبيروت، والتَّدريب في معسكرات سرايا الدِّفاع السُّوريَّة. ليس المالكي خوسيه رئيس الباراغواي، احتفظ بسيارته ومنزله قبل الرَّئاسة، بل المالكي بعد الولاية صارت لحزبه جمهوريات عقاريَّة.
فلو كان عدلاً لنُزع المالكي من منصبه عندما ظهر متباهياً بولده على حساب الدولة، وظهر بانتحال شخصية المختار الثَّقفي(قٌتل: 67هـ) انتقاماً، معلناً الطّائفية بأَّنَّ المعركة بين الحُسين ويزيد. كان إهداء المالكيّ خاتمه إلى سليمانيّ(قُتل:2020)، الخاتم الذي بقي مِن بدن الأخير (مقابلة للمالكي)، يُفسر برمزية أنَّه يظل عصياً على الذَّوَبان. فالرَّجل كان يلهث وراء تأسيس الميليشيات، مع صرفِ الأموال على مَن سمَّاهم بـ«عشائر الإسناد»، فصار الدَّم عنده حلاً، وأنَّ الموصل لا تعنيه لأنّها سُنيّة، لكن ماذا قبض الشِّيعة؟!
أصدر حزب «الدعوة» بياناً، وكالعادة تُختار آيةٌ مستهلاً، أرى بعد تجربة الحكم وما عُرف بـ«دولة القانون» جزافاً، آن الأوان لتجنيب القرآن المقامرة الحزبية، وأنّ يتجنب التَّفاخر بالشَّهداء، فلم يبق معنى لما ورد في بيانه: «نحن حزب الشهداء وآباء الشهداء وأبناء الشُّهداء وأتباع الشَّهيد» (بيان في 18/7/2022)! ماذا يعني ذلك وقد بددتم الدِّماء والثَّروات وأبعدتم الكوادر، حتَّى أخذ المنكوبون يترحمون على السَّابقين؟! تفتر هذه الأسطوانة، وكأنَّ للدعوة ديناً على العراقيين! يعتقد حزب «الدَّعوة» أنه منقذ الشيعة، مع أن الانتخابات أخرجته عن طوره، فصار له ثأر مع الشيعة، وهذا ما يفهم مِن التسريبات، بضرب النَّجف، ووراء ذلك الإتيان بـ«دعويّ» مرجعاً كصاحب فتاوى الكراهيَّة.
قرأ المالكيّ الواقع خطأً، فأراد الحظوة بحال قُبَّرَةِ طّرفة بن العبد (جاهليّ)، التي ذهبت مثلاً: «يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بِمَعمَرِ/خَلا لَكِ الجَوَّ فَبيضي وَاِصفِري/ وَنَقِّري ما شِئتِ أَن تُنَقَّري/ قَد رُفِعَ الفَخُّ فَماذا تَحذَري»، لكنّ العبرة بالخاتمة «لا بُدَّ يَوماً أَن تُصادي فَاِصبِري»(ابن قتيبة، الشِّعر والشُّعراء). تمثل بها أكثر مِن ناصحٍ، وأولهم ابن عباس(تـ: 68هـ) قالها لتفرد ابن الزُّبير(قُتل: 73هـ) بالحِجاز، بعد اغفال الحسين(قُتل:61هـ) نصيحة ابن عمَّه(ابن سعد، الطَّبقات الكبرى).
أقول: وقع المالكي، و«الدَّعوة» كافة، في الفخ، مِن قِبل عميل عراقيّ منهم لوطنه وحرسه، لا لأيّ حرس آخر، مثلما صرح المالكي لخاصته أنّه محميٌ بحرسٍ ثوريّ، العراق تحت يده، بحساب خاتمه بيد سُليمانيّ، يديره كيف شاء.