كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
كلام كثير قيل عن موقف "حماس" من الأحداث الأخيرة في قطاع غزّة ووقوفها موقف المتفرّج من عملية التأديب التي مارستها الحكومة الإسرائيلية لـ"حركة الجهاد الإسلامي" التي ليست سوى أداة ايرانيّة.
كان موقف "حماس" طبيعيّا في ضوء المراحل التي مرت فيها الحركة منذ تأسيسها، بتشجيع إسرائيلي، من اجل ان تكون منافسا لمنظمة التحرير الفلسطينية والبرنامج الوطني الفلسطيني. أقر هذا البرنامج في المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر في تشرين الثاني – نوفمبر 1988 وكان خطوة أولى في مجال تحقيق انتصارات ديبلوماسيّة فلسطينيّة. توجت هذه الإنتصارات ببدء حوار أميركي – فلسطيني في تونس بعدما اعلن ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عن "نبذ الإرهاب" في مؤتمر صحافي عقده في جنيف.
ليس صدفة أن تكون "حماس" تأسست أواخر العام 1987 في ظلّ الإنتفاضة الفلسطينية التي اعادت الإعتبار إلى القضيّة الفلسطينية والتي واكبها فهم فلسطيني لطبيعة الصراع مع إسرائيل في ظلّ موازين جديدة للقوى ناتجة عن نهاية الحرب الباردة من جهة وأهمّية فتح خط مباشر مع واشنطن من جهة أخرى.
بين تأسيس "حماس" ووقوفها موقف المتفرّج من الأحداث الأخيرة في غزّة، وهي احداث مرتبطة بحسابات ذات طابع انتخابي لحكومة يائىر لابيد – بني غانتس، ثمة نقطتان يجدر التوقف عندهما. تتمثّل النقطة الأولى في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني والثانيّة في الإستحواذ على السلطة.
كان تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني نحو الأسوأ الهدف الدائم لـ"حماس" التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين وفكره المتخلّف. من هذا المنطلق حوّلت "حماس" غزّة إلى "إمارة إسلاميّة" على الطريقة الطالبانيّة. قضت على أي وجه حضاري يفتخر به الشعب الفلسطيني الذي كان يتخرّج منه الآلاف من حاملي الشهادات الجامعيّة المحترمة سنويا. الأهم من ذلك كلّه، جعلت "حماس" من الفلسطيني المقنع حامل البندقية والصاروخ واجهة للشعب الفلسطيني. حولت الضحيّة إلى جلاد والجلاد إلى ضحيّة. كانت دائما في خدمة إسرائيل ومشروع الاحتلال للضفّة الغربيّة وغزّة.
لم يكن لدى "حماس" من همّ في يوم من الأيّام سوى السلطة. هذا ما يفسّر كلّ استثمارها في نشر فوضى السلاح، خصوصا في مرحلة ما بعد الانسحاب من القطاع في مثل هذه الأيّام من العام 2005. بدل أن تعمل الحركة من أجل تحويل غزّة إلى منطقة نموذجيّة ونواة لدولة فلسطينيّة مستقلة منفتحة على محيطها، راحت تطلق الصواريخ المضحكة المبكيّة في اتجاه مدن وقرى اسرائيليّة. كانت الصواريخ حجة استخدمتها إسرائيل لفرض حصار على غزّة. كانت "حماس" نفسها تسعى إلى تشديد هذا الحصار من أجل تدجين الشعب الفلسطيني في القطاع. نجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير، خصوصا بعد الإنقلاب على "فتح" الذي نفذّته في منتصف العام 2007.
هناك خيط غليظ يجمع بين كلّ ما قامت به "حماس" منذ لحظة تأسيسها. اسم هذا الخيط خدمة إسرائيل من جهة وضرب منظمة التحرير الفلسطينيّة من جهة أخرى. لم تخيّب "حماس" يوما كلّ من راهن عليها في إسرائيل، بمن في ذلك مدير مكتب ارييل شارون دوف فايسغلاس.
كان قرار الانسحاب من غزّة قرارا اتخذه ارييل شارون في مرحلة كان فيها رئيسا للوزراء. برّر فايسغلاس القرار بقوله في حديث نشرته حينذاك صحيفة هآرتس بقوله: "انسحبنا من غزّة كي نمسك بطريقة افضل بالضفّة الغربيّة". مهّد الانسحاب من غزّة بالفعل لزيادة الإستيطان في الضفّة الغربيّة بعدما امنت "حماس" لإسرائيل كل المطلوب منها. كلّ المطلوب كان أن يرفع الفلسطينيون شعارات تنم عن رغبة في تدمير إسرائيل. في الواقع استثمرت إسرائيل في "حماس" وصواريخها وعملياتها الإنتحاريّة إلى ابعد حدود.
مرّة أخرى استخدمت إسرائيل قطاع غزّة في سياق سياسات داخليّة مرتبطة بمزايدات بين الأحزاب السياسيّة قبل موعد الانتخابات التشريعيّة المقبلة. وفّرت لها "حركة الجهاد الإسلامي" ما يكفي لزيادة عذابات الشعب الفلسطيني وتحويل اهل غزّة إلى سجن في الهواء الطلق. إنهم مليونان يعيشون في بقعة لا تزيد مساحتها على 365 كيلومترا مربّعا!
تعرّضت غزّة لحرب أخرى. قتل الإسرائيليون من يريدون قتله. ليس معروفا هل سيزيد ذلك من شعبيّة الثنائي لابيد – غانتس، لكن الثابت أنّ ثمّة حاجة إلى مراجعة حقيقيّة للمشروع الحمساوي في غزّة الذي بُني على فوضى السلاح. لا يمكن التفكير في قيام دولة فلسطينيّة في يوم من الأيام انطلاقا من "إمارة اسلاميّة" في غزّة. هل لدى "حماس" التي تسعى إلى استغلال حال الترهّل لدى السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ما يكفي من الشجاعة للإقتناع بأنّ مشروعها الغزاوي لم يخدم سوى إسرائيل.
يبدو أنّ لـ"حماس" حسابات من نوع آخر مبنيّة على ما استثمرته إسرائيليا منذ قيامها. يبدو أنّه آن أوان جمع ما جنته من مكافآت عبر هذه الإستثمارات في شكل مكاسب سياسيّة وذلك في وقت يشكو فيه رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة محمود عبّاس (أبو مازن) من تقدّمه في العمر ومن عزلة داخليّة رهيبة تزداد يوما بعد يوم.
بكلام أوضح، تستعد "حماس" لمرحلة ما بعد "أبو مازن". لن تجد إسرائيل مشكلة في ذلك، بما في ذلك تمدّد الحركة الإسلاميّة في اتجاه الضفّة الغربية. الأكيد أن أي حكومة إسرائيلية ستفضل بقاء الوضع الراهن على حاله. ليس افضل من "حماس" لتكريس هذا الوضع الذي يعني بين ما يعنيه الفصل بين الضفّة الغربيّة وغزّة من جهة وحصر دور السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة بوظيفة امنيّة تخدم إسرائيل أوّلا وأخيرا.
تمددت "حماس" في مرحلة ما بعد "أبو مازن" في اتجاه الضفّة الغربيّة، أم لم تتمدد. لا فارق في ذلك ما دام هدف الحركة بات معروفا وواضحا في الوقت ذاته. يختزل الهدف شبق ليس يعده شبق إلى السلطة. إنّه شبق الإخوان المسلمين إلى السلطة الذي كشفته احداث "الربيع العربي" من تونس... إلى مصر التي عرفت كيف تتخلّص من كابوس الإخوان في العام 2013.