لحظة انهيار حسابات إيران!

ربما ما يمكن وصف اللحظة الانية بأنها تشبه قنطرة عبور من وضع جيوسياسي إلى وضع اخر مختلف في معطياته ومساره ونتائجه المقبلة على المنطقة والاقليم.

احيانا في السياسة تأتي فرص تاريخية لا تتكرر وهي الفرصة التي كان ينتظرها نتنياهو منذ أربعة عقود وقد منحتها له ايران وفقا لحسابات خاطئة قامت على تفكير ساذج وفقا لمعادلة اكثر سذاجة بأن احاطة اسرائيل بما يسمى ضغوط محور المقاومة وتحرشاتها المحسوبة بدقة سوف يدفع اسرائيل وجماعات الضغط اليهودية في امريكا في الدفع بابرام صفقة سياسية وامنية ينتج عنها إيران قوة نووية واقليمية كبرى يتيح لها ابتزاز وبسط نفوذ على الجوار العربي والذي كان ويبقى هو الهدف الاستراتيجي لايران منذ قيام ثورة الخميني عام ١٩٧٩م. 

فتصدير الثورة مبدا راسخ وهدف حيوي في السياسة الخمينية الايرانية نحو المنطقة العربية والا هل تفكر إيران في تصدير ثورتها مثلا إلى نيكاراغوا او كوريا الشمالية..!

صحيح ان كلفة الحرب العراقية الايرانية خلال ثمان سنوات كانت باهظة الا انها اسهمت في تعطيل وتأخير المشروع الإيراني إلى ما بعد احتلال العراق في عام ٢٠٠٣م . 

نحن أمام اوقات عصيبة سوف تغير وجه المنطقة حقيقة وليس مبالغة ان معادلات القوة فيها سوف تتقلب تماما فمهما قيل عن سياسة التخادم الايراني الاسرائيلي والامريكي لكن إسرائيل لا يمكن أن تركن امنها إلى فرضيات واوهام وهي محاطة بمليشيات وقوى تأتمر باوامر ايران وتشكل تهديدا لها في كل وقت من يمن الحوثي إلى حزب الله في لبنان إلى مليشيات الزينيبيون والفاطميون في سوريا والحشد الشيعي في العراق الذي بات يشبه صراف الي ينفق على ركائز هذا المشروع الجهنمي ضد العرب.

حسنا قال مستشار رئيس دولة الإمارات العربية د. أنور قرقاش ان زمن المليشيات قد أرهق المنطقة. نعم ان صناعة المليشيات فن اتقنته ايران فهي تجعلها اقل من دولة وأقوى من سلطة الدولة وهو ما تجسد في اليمن ولبنان والعراق وكذلك حركة حماس الاخوانية.

ايران الان واذرعها تحت تأثير الصدمةوالرعب غير المتوقع بعد ان ذهبت سكرة المبالغة بوهن ضعف اسرائيل وقوة حزب الله في جنوب لبنان والذي استفاق على كارثة اغتيال زعيمه حسن نصرالله وخليفته صفي الدين وجميع قادة الصف الأول حتى الثالث وتشتت حاضنته في الضاحية الجنوبية لبيروت وانهيار منظومته الامنية بشكل كامل.

ان اختفاء حسن نصرالله من المشهد افقد ايران رمزا كبيرا من رموزها في المحور الموالي لها لأن صناعة الرموز والتعلق بها صنعة ايرانية ترتبط بالسياسة والمذهب والغاية.

نتنياهو سوف لن يضيع هذه الفرصة التي سنحت له لأنه يدرك ان انكشاف ايران الاستراتيجي أمامه سوف لن يتكرر مرة أخرى لذا فهو لن يقطع نصف الطريق ويتراجع فامامه ضرب المنشآت النووية الايرانية وقواعد الصواريخ ومعامل إنتاج المسيرات وتعطيل دورة الاقتصاد الايراني بتدمير منشآت النفط. 

الورقة القوية بيد ايران هي القوة الصاروخية ولكن اسرائيل التي فجرت أربعة آلاف عنصر تابع لحزب الله بما فيهم سفير ايران في لبنان بكبسة زر على نظام البيجر ليست عاجزة عن تعطيل وتدمير نظام إطلاق الصواريخ.ومن ثم التفرغ لانهاء الاذرع في اليمن والعراق وسوريا واستكمال اقتلاع بقايا حزب الله من الضاحية وتحقيق معادلة الأمن والسلام.

نحن يجب أن لا ننتظر النتائج بل علينا الاصرار على تمسكنا بالسياسات المعتدلة والموزونة والواقعية التي تطرحها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية حل الدولتين مقابل السلام والتعايش. 

السياسة كما عرفها كتابها في احد اوجهها هي فن التدبير وكما اضاف اليها الملك المغربي الراحل الحسن الثاني إضافة مبدعة هي ليست فن الممكن فحسب إنما هي فن التوقع.

اسرائيل باتت حقيقة من حقائق المنطقة بعيدا عن الشعارات والاوهام، دولة قوية ومتطورة علميا ومدعومة من كل القوى الكبرى في الغرب والشرق والعام الماضي الذي مر على غزة وأهلها شاهد على ذلك.

 

* كاتب واكاديمي من العراق

مقالات الكاتب