كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
هل أردوغان وفريقه السياسي من وزراء ومستشارين يسيرون بالدولة التركية نحو سلوكيات الدول المصنفة ضمن “محور الشر” التي لا يزال بعضها يهدد الاستقرار والأمن الدوليين؟
هو سؤال افتراضي لكن له ما يبرره منذ فترة، رغم أنه خلال الأيام القليلة الماضية حدث أكثر من موقف يشير إلى أن أردوغان يجيد بمهارة فن خسارة الأصدقاء، بعد أن قضى على نظرية صفر مشاكل وصارت “صفر صديق”.
فبعد أن قام باستفزاز المسيحيين في العالم عندما حول متحف “آيا صوفيا” إلى مسجد، مع أنه كان في الأصل كنيسة، ثم مسجد، واستقر قبل ثمانية عقود بأن يكون رمزا للتسامح الديني في تركيا. بعد كل هذا، وجه وزير الدفاع التركي خلوصي عكار تهديدات ضد دولة الإمارات أبسط ما يمكن وصفها بـ”الوقاحة السياسية”، عندما قال إن بلاده تحتفظ بحق الرد على إيذاء الإمارات لها في المكان والزمان المناسبين، متناسيا عن قصد أن الإمارات ومعها دول عربية تقوم بالدفاع عن أمنها القومي من “العربدة” التركية في الشأن العربي، مثل سوريا وليبيا والعراق.
أما التطور الجديد الذي يبرر طرح مثل هذا السؤال الافتراضي، ويجعل الجميع يقلق من السلوك التركي الذي لم يعد له منطق، أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبدى استغرابه من شراء دولة عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ عام 1952 أسلحة من روسيا، الدولة العدو لأعضاء الحلف، الذي تأسس من أجل مقاومته.
والملفت أكثر أن هذا الموقف ليس الوحيد بين تركيا وأعضاء حلف الناتو، بل حصلت مناوشة مع فرنسا منذ شهر في البحر المتوسط، وكذلك مع اليونان، الأمر الذي يؤكد أن نظام أردوغان بات يمثل تهديدا لحلفائه تماما كما يهدد الآخرين، وإذا ما وسعنا دائرة القلق والغطرسة التركية فهي أيضا على خلاف مع روسيا في كل من سوريا وليبيا.
قد يقلل البعض، خاصة الموالين للنظام، من أهمية التساؤل الذي ستترتب عليه عقوبات دولية، تنهي ما يعرف بالتجربة التنموية التركية، لن يكون وضعها بعدها أحسن من الوضع الإيراني والكوري الشمالي. وبمتابعة المواقف السياسية الدولية خاصة الصادرة عن الغرب، لا يستبعد أن يكون الصمت على أفعاله “فخا” للإيقاع به، لأنه يهدد فعلا الأمن والاستقرار الدوليين، وقد أبدى أكثر من مسؤول غربي (فرنسا والولايات المتحدة) انزعاجه، وبالتالي فإن التساؤل له مشروعيته السياسية بشكل حقيقي، لأن الأمر لم يعد يقتصر على الإقليم العربي أو دولة الإمارات؛ الجميع بات مستهدفا من تركيا وفق عقلية الغابة التي ينتهجها النظام.
بل إن طرح التساؤل في هذا التوقيت يناسب الحالة الجنونية التي يعيشها النظام التركي، ليس فقط من واقع شمولية العبث والفوضى السياسية التي طالت النظام الدولي، ولكن من باب الاستفهام حول حالة الصمت التي اختار المجتمع الغربي تبنيها، بينما كانت الدول العربية، خاصة الإمارات والسعودية، تنبه إلى خطورة أفعال هذا النظام. رغم ذلك، ترك ليمارس ما شاء من أساليب “الغطرسة” السياسية في الإقليم، إضافة إلى هدم قواعد الدولة المدنية في تركيا.
إن أردوغان يتبع دبلوماسية “جس النبض” مع الدول الكبرى والمجتمع الدولي، ويختبر ردة فعلهم تجاه سلوك معين، وإذا لم يلق رفضا خاصة الولايات المتحدة وروسيا الدولتين اللتين يتلاعب بهما، أو إذا لقي ترحيبا وتعاملا إيجابيا من قبل البعض (منهم دول) فإنه يتجاوز الخط المسموح له، وينتقل إلى مرحلة أخرى، مكررا نفس الدبلوماسية لانتزاع مساحة جديدة، وهكذا إلى أن وصل إلى وضع تجاوز كل الخطوط الحمراء، وبدت فيه الدول الغربية وكأنما هي مصدومة بما حدث، أو أنها أخذت على حين غرة.
الملاحظة المهمة أن ما يفعله نظام أردوغان يحمل إشارتين، إما هو عملية ممنهجة تتم وفق رؤية إستراتيجية، لن تتوقف مع رحيل أردوغان، لأن المشروعات كبيرة لا تتوقف مع انتهاء العهدة السياسية، وبالتالي وجب الانتباه. أو أن ما يفعله هو تعبير عن حالة فشل سياسي وتخبط نتيجة عدم قدرته على تنفيذ ما وعد به الشعب التركي، وهذا هو الأقرب للواقع.
ولكن، في كلا الحالتين، يتجه بتركيا نحو مستنقع سياسي، فهو لم يعد مصدر تهديد لدولة الإمارات أو دول الخليج فقط، بل أصبح مصدر تهديد لأغلب دول العالم، بما في ذلك الدول الكبرى.