ايران تخوض حربا... ماذا ستفعل اميركا؟

ليس ما يدعو الى الاستغراب حيال ما يدور في الشرق الأوسط والخليج. كلّ ما في الامر انّ هناك حربا، او حروبا، تشنها ايران على جبهات عدّة، من اليمن الى غزّة، مرورا بالعراق وسوريا ولبنان، لتأكيد انّها اللاعب الأساسي في المنطقة. لا يمكن فهم قصف قاعدة عين الأسد في العراق حديثا او ما حدث في غزّة الّا على خلفية هذه الحرب التي تتخذ اشكالا مختلفة.

في فلسطين، هددت صواريخ "حماس"، وهي إيرانية في الدرجة الأولى تل ابيب وأغلقت مطار بن غوريون في اللد ايّاما عدّة. تبدو الرسالة في غاية الوضوح وهي ان لدى "الجمهوريّة الاسلاميّة" ما ترد به على إسرائيل في عقر دارها وانّها قادرة على الانتقام. انتقمت ايران بالفعل من كلّ ما تعرّضت له أخيرا بدءا بسرقة الملفات المتعلّقة ببرنامجها النووي في العام 2018 وصولا الى اغتيال العالم النووي الاهمّ لديها محسن فخري زاده في مكان غير بعيد عن طهران... في ظروف غامضة.

في كلّ الأحوال، لقنت ايران إسرائيل درسا مهمّا وكشفت ان اذرعها تمتلك ما تردّ به من دون الحاجة الى تدخل عسكري إيراني مباشر. هناك فلسطينيون مستعدون ليس فقط لخطف ثورة القدس من اجل ايران. هؤلاء الفلسطينيون مستعدون للتضحية بكل مواطن في غزّة وبكل بناية ومرفق عام من اجل تأكيد انّهم في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة.

خطفت "حماس" بصواريخها الإيرانية ثورة اهل القدس التي أدت الى تعاطف دولي مع الفلسطينيين وقضيتهم. فقد اثبت اهل القدس انّ في استطاعتهم مقاومة الظلم بكلّ انواعه، بما في ذلك الظلم الذي الحقته بهم إدارة دونالد ترامب التي نقلت السفارة الأميركية الى المدينة المقدسة واعترفت بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل. لكنّ اهل القدس لم يمنعوا "حماس" من خطف ثورتهم.

شمل غضب المقدسيين السلطة الوطنيّة الفلسطينية، كما شمل "حماس". كانت ثورتهم على الاحتلال وعلى السلوك السياسي الفلسطيني عموما في ظلّ انسداد كلّ الخيارات امام رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس (أبو مازن) الذي تذرّع بالقدس لتأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية!

جاءت صواريخ "حماس" لتنقل ثورة اهل القدس الى مكان آخر، الى حيث يريد بنيامين نتانياهو الذي تحلّق حوله اهل اليمين الإسرائيلي مجددا بعدما كان تخلّى هؤلاء عنه لمصلحة الوسطي يوسي لابيد.

يبدو الخاسر الأكبر حاليا السلطة الوطنيّة الفلسطينية و"أبو مازن" بالذات. صحيح انّ الرئيس جو بايدن اتصل به أخيرا، لكنّ الصحيح أيضا ان لا قدرة من ايّ نوع لدى رئيس السلطة الوطنيّة على التأثير في الاحداث. من يؤثّر في الاحداث هو من يمتلك الصاروخ، أي "حماس". في النهاية، انّ قرار "حماس" قرار إيراني. وهو في هذه الايّام إيراني اكثر من ايّ وقت.

ما ينطبق على فلسطين، ينطبق على العراق حيث تؤسس ايران لميليشيات جديدة اكثر فعالية من تلك المنضوية تحت عنوان عريض هو "الحشد الشعبي". تقصف هذه الميليشيات أهدافا أميركية مثل السفارة في بغداد او قواعد عسكرية فيها اميركيون. المهمّ انّ ايران تستطيع من خلال هذه الميليشيات القول انّ على اميركا الرضوخ لمطالبها في شأن العودة الى الاتفاق النووي الموقع في العام 2015 من دون أي تعديل عليه، مع ما يعنيه ذلك من رفع للعقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب. وهي عقوبات انهكت الاقتصاد الإيراني وكشفت مدى هشاشته.

لا يمكن فصل تمسّك ايران بالبقاء في سوريا، عبر ميليشياتها ومجموعات من "الحرس الثوري" عن الحرب التي تخوضها "الجمهوريّة الاسلاميّة". كذلك الامر بالنسبة الى استمرار اطلاق الحوثيين صواريخ وطائرات مسيّرة في اتجاه الأراضي السعوديّة. من هم الحوثيون؟ من اين جاؤوا بالصواريخ والطائرات المسيّرة؟ الجواب كلمة واحدة وهي ايران.

كذلك، لا يمكن فصل الانهيار اللبناني والعقبات التي يضعها رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره جبران باسيل في وجه تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري خارج الحرب التي تشنهّا ايران على جهات عدّة. لو شاء "حزب الله"، لتشكلت حكومة لبنانية امس قبل اليوم. لكنّ ما يحلّ بلبنان واللبنانيين آخر ما يهمّ ايران. لبنان ليس سوى "ساحة"، تماما كما حال غزّة. استُخدم لبنان في حرب غزّة بان سمح "حزب الله" لفصائل فلسطينية باطلاق صواريخ قليلة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية. بعث الحزب بالرسالة التي تريد ايران ارسالها. فحوى الرسالة ان غزّة فعلت ما فعلته بإسرائيل بنحو أربعة آلاف صاروخ، فكيف لو اطلق "حزب الله" صواريخه هو الآخر؟

حسنا، كانت الإدارة الأميركية الجديدة تودّ تفادي الشرق الأوسط والخليج. اهتمت بايران كايران، بملفّها النووي، واهتمت باليمن من زاوية انسانيّة. لم تستطع ممارسة هذه السياسة طويلا. اقتحم الشرق الأوسط واشنطن من بوابة عريضة. ليس معروفا ما الذي ستفعله إدارة بايدن التي أرسلت وزير خارجيتها انطوني بلينكين الى القدس ورام الله والقاهرة وعمّان. ماذا يستطيع ان يفعل له رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس (أبو مازن) بعدما خطفت "حماس" القرار الفلسطيني بأمّه وابيه؟

تحتاج إدارة بايدن الى مقاربة مختلفة. ليس كافيا الإعلان عن دعمها لخيار الدولتين كي تجد حلاّ سحريا في فلسطين حيث استطاعت "حماس" تعويم بنيامين نتانياهو سياسيا. انّ خيار الدولة الفلسطينية هو آخر ما يريد "بيبي" السماع به. لا يريد رئيس الوزراء الاسرائيلي السماع بغير الاستيطان وتحويل فلسطين الى ارض طاردة لاهلها.

ليس عيبا استعانة إدارة بايدن بجانب من السياسات التي اتبعتها إدارة ترامب تجاه ايران. تمكنت إدارة ترامب من استيعاب ايران ومن الحدّ من عدائيتها منطلقة من معرفتها التامة بالسلوك الإيراني في المنطقة. نقطة البداية في ادراك انّ الأهمّ من البرنامج النووي الإيراني في الوقت الحاضر هو الصواريخ الإيرانية والميليشيات التي تخوض حروب "الجمهوريّة الاسلاميّة" في كلّ انحاء المنطقة. اذا كان من درس يمكن الاستفادة منه بعد حرب غزّة فهو ان من المفترض ان تكون الصواريخ الإيرانية على الطاولة في ايّ مفاوضات من أي نوع مع ايران. تشنّ ايران حربا، بل حروبا عدّة... ماذا ستفعل اميركا؟

مقالات الكاتب