كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
غنوشي تونس ويوسف القرضاوي وزنداني اليمن ولكل بلد كاهنها فالمعبد «الإخواني» كبير ومتسع كاتساع التنظيم المتجذر في امتداد مائة عام من التاريخ حيث بذر بذرته الأولى على يد حسن البنا في الإسماعيلية المصرية وانتشرت الأغصان وتفرعت الجماعة على الأوطان والبلدان ولكل بلاد فرع معبدها، ولها كاهنها، وفيها ما فيها من السدنة الحافين بالمعابد والمقدسين لسادتها، فهذه ليست طقوس عابرة، بل هي عقائد دبرت بليالي سوداء حفتها شياطين وباركتها نوايا الشر والضغائن.
أثارت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر واحداً من أعمق الاسئلة حول معاقل «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين»، ولم يكن التساؤل آنذاك طارئاً مع حيثيات الثورة المصرية العارمة، بل متصلاً ضمن المحاولات المتكررة في بحث ضمن كومة القش عن إجابة حقيقية لعلها تصل لنواة التنظيم المتشعب ضمن فكرة الاجتثاث التي فعلها عبدالناصر أولاً بعد أن كادت رصاصات «الإخوان» أن تصيبه في منشية الاسكندرية عام 1954 لتصنع الحد الفاصل بين ناصر و«التنظيم»، لكنها لم تقضي على رؤوس التنظيم، فلقد أفرج عنهم السادات فبقيت الرؤوس يانعة ولم تقطف. استعملت بريطانيا تنظيم «الإخوان» كما استعملتهم ألمانيا لتحقيق غايات ومقاصد سياسية فيما يمكن أن يكون زواجاً للمتعة ينتهي بانتهاء الغرض الوظيفي، وهو ما خلق لقيادات الصف الأول من «التنظيم الدولي» الفرص الممكنة للحصول على امتيازات مكنتهم من الحصول على شركات ومؤسسات ومنازل في عدد من الدول الأوروبية على مدى عقود زمنية طويلة، هذا لا يعني أن لا معاقل للتنظيم في البلاد العربية، بل لهم من المعاقل المحصنة ما تراهن عليه عناصرها لتوفر لهم الحماية من الملاحقات القانونية، وهذا ما يمكن تماماً متابعته بعد سقوط مرسي، وكيف وجدوا ممرات متعددة للوصول لدول وفرت لهم الإقامة الآمنة في تركيا وايران بعد المرور على محطات كاليمن.
والمتابعة لحركة الأفراد والجماعات الموالية لتنظيم الإخوان ستعطي إشارات مباشرة حول مركزية اليمن كملاذ آمن للتنظيم الدولي، وكممر آمن لعناصره كذلك خاصة بأن اليمن يشكل ممراً لمروجي المخدرات وغسيل الأموال، وكذلك العناصر المرتبطة بتنظيمات «القاعدة» و«داعش» نتيجة تمكن فرع التنظيم من التسلل لمؤسسات الدولة اليمنية من سنوات طويلة خاصة بعد اعلان دولة الوحدة في العام 1990.
تتداول رواية عن راشد الغنوشي أنه قال بعد زيارته لليمن في تسعينيات القرن العشرين إنه فوجئ بلقاء قيادات التنظيم في القصور، بينما اعتاد اللقاء بهم في السجون خلال زياراته لهم في الدول العربية، ولطالما يتجاهل المتابعون هذه الحقيقة لأنها مؤلمة وفاجعة، فاليمن هي المعقل الحصين للتنظيم الذي نشأ مبكراً على يد محمد زباره في عام 1929 أي بعد عام واحد فقط من نشأته في مصر.
القرضاوي والغنوشي والزنداني والقيادات الكبرى في «التنظيم» تدرك أن قواعدها وإنْ تخلخلت في البلاد العربية، فإنها تمتلك القلعة المحصنة في البلاد اليمانية الزاخرة بوافر من الابجديات في التأصيل وحتى التأويل للإسلام الحركي. وما التماهي مع «الحوثيين» غير صورة تطمئن زعامات «الإخوان» بمستقبلهم الآمن للغاية في اليمن.
هذه لقطة للتاريخ إن شاء التحرك فهو سيحتفظ بهذه اللقطة الغارقة في الواقعية، حتى وأن تمت محاولات مخالفتها. فاليمن محصن ويمتلك القدرة على أن يكون باعثاً لعناصر«التنظيم» كما كان باعثاً لتفريخ عناصر تنظيم «القاعدة» و«الدواعش» تحت علم الجمهورية ودستورها الوحدوي. المعبد «الإخواني» يحفه الكهنة الكبار، وفيه من السدنة ما يكفي ليُبقى اليمن آخر القلاع المحصنة.
فالتاريخ وحده يكفل للتنظيم المستقبل في بلد ينتج المؤدلجين، كما تنتج المصانع الهواتف الذكية والسيارات، فاليمن مصنع إنتاج واسألوا يوسف القرضاوي وغنوشي تونس وزنداني اليمن و«بنا» مصر.