كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
أحيت الولايات المتحدة ذكرى الضحايا الذين سقطوا إثر اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
كانت الفجيعة غير مسبوقة وصادمة. فجأة صارت نيويورك ساحة حرب لم تكن مادتها الجيوش. لا القتلة ولا القتلى من حاملي السلاح ولم يكن السلاح هو الأداة التي نُفذت بها المجزرة.
صخب هائل سبقه صمت لم يكن ليشعر به إنسان لولا ما نتج عنه من عولمة ضاربة في عنفها لمفهوم الإرهاب.
عدوان لم يتوقع أحد أنهما سيلتقيان وجها لوجه والأفظع من ذلك أنهما التقيا في نقطة تقع خارج المتاح من الجغرافيا فلم تكن نيويورك في متناول أحد.
نيويورك هي رمز لأشياء كثيرة ليس من بينها السلام، بالرغم من أن مبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أسست من أجل الحفاظ على السلام العالمي يقع على أراضيها.
نيويورك هي القوة وهي المال وهي الكارتلات العالمية لا يتعلم المرء منها إلا مشاعر فاسدة في التعالي والغرور والرغبة في فرض النفوذ والهيمنة.
يوم ضُربت مدينة ناطحات السحاب ضُربت الرأسمالية في عقر دارها. ذلك ما شكل نقطة فارقة في التاريخ المعاصر.
وافق العالم كله على ذلك الفرز ما بين التاريخ البشري قبل الحادي عشر من سبتمبر والتاريخ البشري بعده. وهو فرز يلغي كل مصائب وكوارث وفجائع ونكبات الشعوب الأخرى التي وقعت على أراض بعيدة عن مركز القوة والمال وشركات النفط العملاقة.
يوم ضُربت نيويورك جُن جنون الساسة الأميركان. هل كان ذلك الجنون مخططا له أم أن الأمة كانت تواجه خطرا فعليا يتطلب القيام بخطوات استباقية تبين في ما بعد أنها كانت ملغومة بقدر لا يُستهان به من الرغبة في الانتقام؟
كان أسامة بن لادن جاهزا للإعلان عن مسؤولية تنظيم القاعدة الذي يتزعمه عما سماه بغزوتي نيويورك وواشنطن. وفي المقابل فقد كانت خارطتا أفغانستان والعراق جاهزتين لكي تُفرشا على الطاولة بالرغم من أن أفغانيا واحدا أو عراقيا واحدا لم يرد اسمه في كشوفات المسافرين على الطائرتين اللتين استعملتا في الهجومين الانتحاريين.
سيظل السؤال يطل مثل لغز “أكان مقدرا لأفغانستان والعراق أن يدفعا ثمن ما فعله الآخرون من غير أن يجرؤ أحد في العالم على الدفاع عنهما خشية أن يُتهم بالإرهاب؟”.
يومها صار الإرهاب أشبه بالمقبلات التي تُقدم مع الوجبات اليومية الثلاث ورُفع شعار “مَن لم يكن معنا فهو مع الإرهاب أو هو إرهابي”. ابتزت الإدارة الأميركية العالم بضحايا هم بشر عاديون ينتمون إلى أكثر الطبقات بؤسا ولم يكن مصيرهم يهم أي فرد من أفراد الطبقة السياسية لولا أنهم تحولوا إلى نجوم في العلم الأميركي الذي حملته طلائع الغزاة التي بدأت بأفغانستان وانتهت بالعراق.
أسماء ضحايا الهجوم الإرهابي كُتبت على نصب تذكاري يحتل مكان المبنى الذي تمت إزالته وكان من المفترض أن تلتحق بها أسماء مليون إنسان قُتلوا في أفغانستان والعراق هم أيضا ضحايا الحادي عشر من سبتمبر. سيكون علينا هنا أن نفترض أنهم لم يُقتلوا إلا بسبب ما جرى في نيويورك.
وذلك افتراض قد لا يكون صحيحا.
لو كان ذلك الافتراض صحيحا لحرصت الولايات المتحدة على أن تكون حذرة في اصطياد أعدائها لا أن تقتل كل من يقع في مرمى نيرانها. كان قرار النار مفتوحا ولم يكن هناك أي استثناء. اقتلوا قدر ما تستطيعون لتشبعوا رغبة الأمة في الثأر والانتقام.
وإذا ما كان ضحايا نيويورك قد ماتوا صامتين وعثروا بعد موتهم على الفم الذي يتحدث بأصواتهم إلى العالم من غير أن يتوخى الصدق والبحث عن الحقيقة، فإن ضحايا أفغانستان والعراق وقد فاق عددهم المليون قتيلا لم يجدوا حتى اللحظة مَن يدافع عن حقهم الذي فقدوه في الحياة.
لم يقل أحد إن الولايات المتحدة قتلت بالخطأ مليون إنسان في أفغانستان والعراق. كان ذلك المليون ثمن نزهتها الشريرة في بلدين ليسا على صلة بما حدث لها. ومن المؤكد أنها مارست كل فنون القتل لا من أجل أن ترتاح أرواح ضحايا نيويورك بل من أجل أن تُطلق للتسويق صورتها الجديدة في عالم ستضمه إلى ممتلكاتها المستقبلية.
هناك مَن يتحدث عن فشل انتهت إليه المغامرتان. في الحقيقة فإن الولايات المتحدة حققت ما تريد. أعلنت أنها القوة التي في إمكانها أن تقتل أكبر عدد من البشر من غير أن يقوى على مساءلتها أحد.
ذلك هو الكاوبوي الأميركي الذي يخلد قتلاه ويدفع بقتلى الآخرين إلى النسيان.