كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
يبدو كلام الرئيس جو بايدن في الأمم المتحدة كلاما جميلا صادرا عن رئيس أميركي يرى التحديات التي يواجهها العالم، لكنّه يعتقد أن في الإمكان مواجهتها بالدبلوماسية وحدها. لا يدرك أن ذلك ليس ممكنا، خصوصا بعدما كشفت طريقة الانسحاب العسكري من أفغانستان مدى تخبّط الولايات المتحدة وضعفها. لم يعط التحالف العسكري الجديد مع أستراليا وبريطانيا الذي كلّف فرنسا خسارة عقد لبناء غواصات قيمته 56 مليار يورو فكرة أفضل عن الدبلوماسية الأميركيّة. أدى الأمر إلى "فقدان الثقة" بين فرنسا وأميركا وإلى سقوط فكرة أنّ الإدارة الأميركية الحاليّة تسعى إلى جبهة موحّدة مع أوروبا.
باتت فرنسا في وضع لا تحسد عليه بعدما صار عليها البحث عن موقع جديد في هذا العالم بعيدا كلّ البعد عن توجّهات الإدارة في واشنطن.
كان يمكن للكلام عن دخول العالم "مرحلة الدبلوماسيّة" أن يثير الإعجاب لو كان وضع هذا العالم مختلفا ولو لم تكن أميركا تتفرّج على المآسي التي يشهدها الشرق الأوسط، بدءا باليمن، وصولا إلى لبنان، مرورا بالطبع بالعراق وسوريا. كيف يمكن تفسير غياب الموقف الأميركي من قتل نصف مليون سوري وتشريد عشرة ملايين داخل سوريا وخارجها؟
تحدث بايدن في كلمته عن أنّ الجمعية العمومية للأمم المتحدة تنعقد هذه السنة "في لحظة ممزوجة بألم شديد" بسبب "الوباء المدمر الذي لا يزال يحصد الأرواح في جميع أنحاء العالم"، حيث توفي "أكثر من 4.5 مليون شخص" بفايروس كورونا. تطرق إلى أزمة المناخ وإلى كل ما يعاني منه العالم قبل أن يسأل "هل سنطبق المبادئ الأساسية للنظام الدولي ونعزّزها، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بينما نسعى إلى ظهور تقنيات جديدة وردع للتهديدات الجديدة"؟ رأى أن العالم يقف "عند نقطة انعطاف في التاريخ". أشار إلى إنهاء التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان في نهاية الشهر الماضي، مؤكّدا أن أميركا تريد التركيز على الدبلوماسية المتعددة الأطراف والمكثفة للتعامل مع الأزمات التي تواجه العالم. وقال "كي نخدم شعبنا، يجب علينا أيضا الانخراط بعمق مع بقية العالم (...) نحن نفتتح حقبة جديدة من الدبلوماسية التي لا هوادة فيها، لاستخدام قوة مساعدتنا التنموية للاستثمار في طرق جديدة لرفع (مستوى معيشة) الناس في كلّ أنحاء العالم". شدّد على أن الولايات المتحدة "لا تسعى إلى حرب باردة جديدة" في إشارة واضحة إلى الصين، لكنّه اعترف بتزايد المخاوف بسبب التوترات المتزايدة بين البلدين، قائلا "نحن لا نسعى إلى حرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى كتل جامدة"، مؤكدا أن الولايات المتحدة "مستعدة للعمل مع أي دولة تتقدم وتسعى إلى حل سلمي لمشاركة التحديات، حتى لو كانت لدينا خلافات شديدة في مجالات أخرى، لأننا سنعاني جميعاً من عواقب فشلنا".
لعلّ الموقف الأشدّ غرابة لبايدن، كان الموقف من إيران. قال إن الولايات المتحدة ستستمر في جهودها للحؤول دون حصول إيران على أسلحة نووية "تظل الولايات المتحدة ملتزمة بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي"، موضحا "أننا نعمل مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا للتعامل مع إيران دبلوماسيا والسعي إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة". أكد أنه "على استعداد للعودة إلى الامتثال الكامل" بالاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الموقع في العام 2015، "إذا فعلت إيران ذلك". لم يحدّد هل مشكلة إيران في السلاح النووي الذي تسعى للحصول عليه فقط.. أم المشكلة تتجاوز ذلك وهي مشكلة السلوك الإيراني في المنطقة، إضافة إلى الصواريخ الباليستيّة والطائرات المسيّرة؟
في ما يخصّ الوضع في الشرق الأوسط، أكد الرئيس الأميركي أن دولة فلسطينية ديمقراطية وذات سيادة هي "الحل الأفضل" لضمان مستقبل إسرائيل. وأضاف "علينا أن نسعى إلى مستقبل يسود فيه المزيد من السلام والأمن لجميع شعوب الشرق الأوسط"، موضحا أن "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لا جدال فيه ودعمنا لدولة يهودية مستقلة لا لبس فيه.. لكن ما زلت أعتقد أن حل الدولتين هو أفضل طريق لضمان مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية تعيش في سلام إلى جانب دول فلسطينية ديمقراطية وذات سيادة وقابلة للحياة (...) ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك الهدف في الوقت الحالي لكن يجب ألا نسمح لأنفسنا بالتخلي عن إمكان إحراز تقدم". نعم، سيبقى هذا الهدف بعيدا ما دامت الإدارة الأميركية تكتفي بلعب دور المراقب في ما يتعلّق بالشرق الأوسط. لعبت الإدارة الحاليّة دورا مشكورا في التخلّص من بنيامين نتنياهو ولكن ماذا بعد ذلك؟ لم تفعل شيئا يذكر منذ لم يعد "بيبي" رئيسا للوزراء..
نحن في عالم لا يصلح فيه مثل هذا الكلام الصادر عن جو بايدن الذي أتاه الجواب من إيران. فقد أعلن المسؤولون فيها أن على أميركا رفع العقوبات على "الجمهورية الإسلامية" قبل أن تقرر العودة إلى التزام بالاتفاق النووي. في النهاية تبقى التمنيات مجرّد تمنيات ويبقى الحديث عن الدبلوماسية مجرّد حديث عن عالم مثالي ليس موجودا. لعلّ المثال على ذلك تفتيت دولة اسمها لبنان في غياب أيّ دور أميركي فعّال باستثناء توفير مسكنات.
يطرح خطاب بايدن في الجمعية العموميّة أسئلة بشأن التوجه الأميركي في السنوات الثلاث المتبقيّة من ولايته. إذا كان التحدي الأوّل، من وجهة نظر المقيم في البيت الأبيض، هو الصين، فإنّ أقل ما يمكن قوله إن الصين ستكون مرحّبة بإدارة من هذا النوع. إنّها إدارة غائبة فعليا عن مشاكل العالم وأزماته، إدارة تشكّل مزيجا من إدارتي جيمي كارتر وباراك أوباما. لدى بايدن الكثير من السذاجة التي ميّزت شخصيّة جيمي كارتر وكلّ التهاون الذي أظهره باراك أوباما في تعاطيه مع إيران.
سيظل السؤال الذي سيطرح نفسه في الأشهر القليلة المقبلة كيف سيتصرّف أهل الشرق الأوسط والخليج مع إدارة أميركية لا ترى ما يرتكبه الحوثيون في اليمن ولا ما يحصل في الجنوب السوري ولا ما الحلّ بلبنان. كيف التصرّف مع إدارة غائبة عن المنطقة وعن مناطق أخرى كثيرة في العالم؟