كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
هُزمت حركة النهضة الإسلامية بتونس بيسر. ما إن أصدر الرئيس قيس سعيد قراراته بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة من عمله حتى التف الشعب التونسي حوله.
قيل يومها إن الرئيس يختال بشعبيته. كانت “الشعبوية” تهمته الجاهزة. ولكن ما الذي كانت تفعله حركة النهضة عبر عشر سنوات أذاقت فيها الشعب شتى صنوف العازة والفقر والحرمان والتمييز والعزل وهي تختال بشرعية ولائه لها؟
ألم يكن ذلك غطاء شعبيا لكل أنواع الفساد الذي مارسته النهضة وهي تتخذ من الخطاب الديني وسيلة للتضليل والخداع؟
في حقيقة الأمر فإن النهضة خسرت أخلاقيا قبل أن تخسر سياسيا. ما التقطه الرئيس سعيد كان الشعب قد اطلع عليه قبل سنوات. لقد ظهرت حركة النهضة أثناء سنوات حكمها على حقيقتها تنظيما يمتزج فيه التشدد بالفساد بالتبعية لدول أخرى. لم تكن تونس بالنسبة إلى ذلك التيار السياسي اليميني سوى قاعدة لتحرك جماعة الإخوان من موقع قريب من مصر. وهو موقع يهم الأوروبيين كثيرا.
الديمقراطية التونسية التي جعلت منها حركة النهضة مركبها السكران كانت عبارة عن الاستيلاء على أصوات العامة الذين سيكونون ضحية جاهزة لألعاب التضليل والخداع ومن ثم الفساد الإخواني
المنصف المرزوقي وهو رئيس سابق لتونس ليس إخوانيا. إنه يساري المنشأ والتفكير واللغة. غير أن ذلك لا يعني أن الرجل يوم كان رئيسا لم يضع منصبه في خدمة الأجندة الإخوانية. في واحدة من أهم سقطاته أن الرجل دافع عن الجماعات الإرهابية التي تحارب في سوريا. لذلك فإنه حين يقود مظاهرة في باريس من أجل المطالبة بتجميد المساعدات الأوروبية لتونس فإنما يعبر عن حقيقة موقفه اللاوطني. كانت الديمقراطية على خطأ حين وضعته رئيسا على تونس.
أحيانا تتحول أخطاء الديمقراطية إلى جرائم عظمى، هتلر نموذجا.
الرئيس الأسبق لتونس يخدع العالم بماضيه اليساري في حين أنه يدافع عن حركة ظلامية فاسدة انصب كل جهدها عبر عشر سنوات على إفقار وتجهيل وتضليل الشعب التونسي ووعده بحياة أخرى مطمئنة فيما كانت الفوضى هي العنوان الرئيس لحقبتها.
ليس الرئيس التونسي الأسبق وحيدا في ذلك التناقض القاتل. اليسار التونسي كله ارتكب الحماقة نفسها حين رأى في إجراءات الرئيس سعيد خروجا على الحياة الديمقراطية وانتهاكا للدستور.
لقد جهزت أحزاب اليسار المهزومة سياسيا قاعدة بديلة لحركة النهضة التي انفض عنها أنصارها، بل أن زعيمها راشد الغوشي صار معزولا في مكان ميت لا يتجاوز الإطار الحزبي.
اللافت أن ذلك اليسار وقد تناغم مع رغبة الإخوان في تونس في أن يمثلوا دور الضحية التي انتهكت حقوقها بسبب ما اعتبروه ضربة وجهها الرئيس سعيد للحياة الديمقراطية صار يخاطب الغرب بلغة يعرف أنها ستكون مسموعة هناك.
فـ”الديمقراطية” التي يريدها الغرب للدول الأخرى التي تقع خارج محيطه هي مفهوم مجرد من الأخلاق. لا يهم أن تكون فاسدا وسياسيا في الوقت نفسه ما دمت قد وصلت إلى الموقع الذي يمكنك من التمسك بهياكل الشرعية الانتخابية وهي تفصيل قُدر له أن يكون بديلا عن الحياة الديمقراطية الحقيقية التي توجب الشفافية ومساءلة الفاسدين.
وهكذا بدأ البعض يحرضون على تدخل الغرب في الشأن الداخلي التونسي، متناسين أن ذلك التحريض هو نوع من الخيانة. فليست الديمقراطية مجرد مسمى بقدر ما هي معنى يتعمق من خلاله مفهوم الوطنية. فالدول الديمقراطية هي أكثر الدول التي يتمتع مواطنوها بحرية التعبير عن آرائهم في الأداء الحكومي وأداء الحزب الحاكم بما يجعلهم قادرين على المراقبة والدعوة إلى المساءلة إذا ما تطلب الأمر.
ولو كانت الحياة الديمقراطية في تونس بهذا المستوى لتمت إحالة الكثير من أفراد حركة النهضة وفي مقدمتهم زعيمها إلى المحاكم بسبب ما شهده البلد من انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية في العشرية السوداء التي حكمت فيها النهضة تونس.
ولكن الديمقراطية التونسية التي جعلت منها حركة النهضة مركبها السكران كانت عبارة عن الاستيلاء على أصوات العامة الذين سيكونون ضحية جاهزة لألعاب التضليل والخداع ومن ثم الفساد الإخواني الذي لن يقف أمام أطماعه وطن أو مواطنون. فالإخوان لا يعترفون بالأوطان ولا بحقوق الإنسان فكيف يعترفون بالمواطنة؟
ما يصرح به مسؤولون صغار في الولايات المتحدة أو في الاتحاد الأوروبي إنما يأتي منسجما مع شعور إخواني بأن الهزيمة يمكن تجاوزها عن طريق تضييق الخناق الدولي على تونس وبالأخص على الصعيد الاقتصادي. خيانة واضحة غطاؤها الخوف على الديمقراطية الوليدة التي اعتبرها الإخوان هبة الغرب لهم.
ولكن ما فات الإخوان في تونس أن المؤسسة السياسية الغربية تدرك جيدا أن رئيسا يحترم الدستور مثل قيس سعيد يعرف أن ما قام به لا يتعدى نزع القشرة عن مسببي الفوضى باسم الديمقراطية لذلك فإنها لا تتخذ قراراتها بناء على عويل كاذب أو دموع مخاتلة. كما أنه ليس من مصلحة أجهزة المخابرات الغربية أن تفتح تونس ملفات حركة النهضة وأحزاب اليسار التونسي معا.
هُزمت حركة النهضة من الداخل حين انفضت عنها جماهيرها غير أن المنصف المرزوقي هزم نفسه بنفسه حين أعلن تخليه عن أهم مبدأ من مبادئ المواطنة بتحريضه الآخرين على بلده.