كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
أخيرا، اكتشف المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ أن إيران غير مهتمّة بإنهاء الحرب في اليمن. تحدّث ليندركينغ إلى “العربيّة” كي يؤكّد مرّة أخرى أن إدارة جو بايدن لا تعرف إيران ولا تريد أن تعرف حقيقة ما يدور في اليمن حيث لإيران أداتها التي اسمها الحوثيون.
ثمّة حاجة إلى استيعاب أميركي للواقع اليمني. يتمثل هذا الواقع في أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” ليست على عجلة من أمرها في ما يخصّ العودة إلى المفاوضات في شأن ملفّها النووي. ليس اليمن سوى ورقة من أوراق إيران في اللعبة التي تمارسها مع أميركا.
يمكن لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” أن تعود في الأيّام القليلة المقبلة إلى المفاوضات في فيينا، وربّما تجد أعذارا لتفادي مثل هذه العودة. في انتظار الموقف الإيراني من المفاوضات، لن يكون هناك ما يشير إلى أي تقدّم في اليمن حيث ينام 16 مليون مواطن على الطوى، أي ينامون جائعين. لدى إيران حسابات خاصة بها في اليمن وغير اليمن.
ليس معروفا هل الحسابات الإيرانيّة في محلّها وهل الوقت يخدم هذه الحسابات وهل صحيح أن الولايات المتحدة لا تمتلك من خيار آخر غير الرضوخ للشروط الإيرانية؟
اللافت أن هناك كلاما أميركيا كثيرا عن وجود خيارات أخرى لدى الإدارة في حال استمرار المماطلة الإيرانية، لكنّ اللافت أيضا أن ليس ما يشير إلى موقف واضح لإدارة بايدن تحدّد فيه بدقّة ما المطلوب من إيران…
بدأت تتوضّح نقطة الخلاف الأساسيّة بين طهران وواشنطن. تتعلّق النقطة بالقبول الأميركي بما تصر عليه إيران بالنسبة إلى العودة إلى نص الاتفاق الموقع صيف العام 2015 من دون أيّ تغيير للنصّ. وضع ذلك الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومجموعة البلدان الخمس زائدا واحدا (البلدان ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن زائدا ألمانيا) ضوابط للبرنامج النووي الإيراني. لم يأت الاتفاق على ذكر السلوك الإيراني في المنطقة وهو السلوك الذي تشكو منه دولها التي لا تضع البرنامج النووي الإيراني في رأس أولوياتها.
بالنسبة إلى دول المنطقة، وهذا أمر أدركته الولايات المتحدة لاحقا، لا يمكن التعاطي مع إيران على القطعة. لا يمكن الفصل بين برنامجها النووي وسلوكها. هذا يعني في طبيعة الحال، ضرورة البحث الجدي في برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانيّة والطائرات المسيّرة… والميليشيات المذهبيّة التي تستعين بها إيران من أجل تدمير دول عربيّة محدّدة من داخل. بين هذه الدول، العراق وسوريا ولبنان واليمن. أكثر من ذلك، تستعين إيران بهذه الميليشيات لتهديد دول مثل المملكة العربيّة السعوديّة وذلك انطلاقا من اليمن.
بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وهو انسحاب أخذ طابعا كارثيا، وبعد الموقف المتذبذب لإدارة بايدن من سوريا والعراق، وبعد الذي حصل مع فرنسا التي أخرجتها إدارة بايدن من صفقة الغواصات مع أستراليا، لم يعد أمام حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج سوى اعتماد الحذر.
ليس من خيار لدى الإدارة الأميركية، في حال كانت تريد المحافظة على ثقة حلفائها العرب بها، سوى رفض الاستسلام أمام إيران، خصوصا في اليمن. لا لشيء سوى لأنّ مثل هذا الخيار سيعني الكثير لكل دولة عربيّة ما زالت تسعى للمحافظة على نفسها. ثمّة واقع يتمثّل في أن كلّ دولة من دول المنطقة تعمل من أجل حماية نفسها من إيران وميليشياتها التي عبثت بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكادت في مرحلة معيّنة أن تقضي على مملكة البحرين المسالمة.
سيتوقف الكثير على ما الذي ستفعله إدارة بايدن من خلال تعاطيها مع إيران. سيتبيّن ما إذا كانت المنطقة لا تزال تهمّها أم لا وما إذا كان لديها مصلحة حقيقية في المحافظة على العلاقة مع حلفائها… أم أن على هؤلاء تدبير أمورهم بأنفسهم والتوقف عن التفكير في المحافظة على العلاقة مع واشنطن.
مخيف موقف إدارة بايدن من الحوثيين في اليمن. هؤلاء، الذين يسمّون أنفسهم جماعة أنصار الله، يحاصرون مدينة مأرب وليس ما يشير إلى أنّهم سيخذلون إيران المصرّة على سقوط المدينة. كلّ ما تفعله واشنطن يتمثّل في إطلاق تصريحات بين حين وآخر عن ضرورة التزام الحوثيين وقف النار والذهاب إلى المفاوضات. هذا ما فعله أخيرا المبعوث الأميركي إلى اليمن. من قال إن الحوثيين يريدون التفاوض قبل سقوط مدينة مأرب؟ تتصرّف أميركا وكأنّ الحوثيين أصحاب قرارهم ولا علاقة لإيران بهم وبقرارهم من قريب أو بعيد.
باختصار شديد، تقترب أكثر فأكثر ساعة الحقيقة بالنسبة إلى إدارة بايدن. سيتوقف الكثير على موقفها من المفاوضات مع إيران. إيران ليست مستعجلة. يُفترض بإدارة بايدن أن تؤكّد بدورها أنّها ليست مستعجلة أيضا وأنّ لديها أيضا وسائل ضغط على “الجمهوريّة الإسلاميّة” وليس مجرّد بوادر حسن نيّة لحملها على العودة إلى طاولة المفاوضات.
من الواضح، أن إيران لا تمزح. اختارت التصعيد في غير مكان، بما في ذلك اليمن. تستخدم أوراقها في المنطقة لتأكيد أنّها اللاعب الأساسي في العراق، حيث يبدو أنّها غير راضية عن نتائج الانتخابات الأخيرة. تستخدم أوراقها في سوريا، حيث تشارك في الحرب على الشعب السوري، كما تثبت يوميّا أنّها الوصيّ الحقيقي على بشّار الأسد ونظامه. تستخدم أوراقها في لبنان حيث لا يفوت حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” أي فرصة أو مناسبة لتأكيد مقولة أن ” أنا لبنان… ولبنان أنا”، وأنّ الاحتلال الإيراني للبلد وجد ليبقى.
لا حاجة إلى العودة إلى اليمن والتذكير مجددا به وبما يقوم به الحوثيون الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة. نعم إيران لا تمزح، وهي تصعّد. تصعّد في اليمن وغير اليمن. هل في استطاعة إدارة بايدن أن تثبت لإيران بالأفعال، وليس بمجرّد التصريحات، أنّها لا تمزح أيضا وأنّها تعرف تماما ما هو على المحكّ في المنطقة في ظلّ مضيّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مشروعها التوسّعي؟