كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
لا يمكن لأية دولة تحرص على أمنها واستقرارها أن توافق على وجود سلاح منفلت على أراضيها. فالسلاح هو السلاح بغض النظر عن النوايا المبيتة. في أحسن أحواله فإنه يقتل صديقا عن طريق الخطأ.
وحين يهدد حسن نصر الله بمقاتليه المئة الف فإنه لا يخرج عن سياق ذلك المنطق. فالرجل لم ينه بعد مهمته التي كان الكثير من اللبنانيين يعتقد أنها مرتبطة بتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
الضريبة التي يجب أن يدفعها اللبنانيون لا تقف عند حدود أوضاعهم المعيشية المزرية أوهلاك مدخراتهم المالية أو انسداد الأفق السياسي امام دولتهم التي لم يعد يثق بها أحد.
ما انتهى إليه حزب الله لا يمكن التراجع عنه بمجرد اعتراض أطراف هم من وجهة نظره اعداءه المؤجلين الذين يجب أن ينهوا خصومتهم بالاستسلام له. حزب الله هو صاحب الكلمة الأخيرة فهو القابض على السلاح والمكلف إيرانيا بمواجهة العالم من لبنان.
الحكاية لا تقتصر على لبنان. ففكرة مواجهة العالم التي هي فكرة إيرانية وجدت طريقها سالكة إلى الواقع. ذلك لأن الحوثيين يواجهون العالم من اليمن والحشد الشعبي من العراق. وليس أدل على ذلك من التصريح الأممي الذي يفيد بأن إيران لا تريد لحرب اليمن أن تنتهي كما أن إيران لا تريد لأصوات الناخبين في العراق أن تهزم الحشد الشعبي.
من هذا المنطلق لا ينبغي النظر إلى انفجار مرفأ بيروت (آب/أغسطس 2020) باعتباره المقصلة التي ستقطع رأس حزب الله وهو المتهم الرئيس والمستفيد الوحيد والمعترض الوحيد على نتائج التحقيق.
صحيح أن تلك الكارثة قد رسمت الخطوط واضحة. هنا يقف حزب الله وهناك يقف الشعب اللبناني. هنا الجبهة التي تديرها إيران من أجل هيمنتها وهناك الجبهة التي يديرها اللبنانيون من أجل الحفاظ على مصيرهم. غير أن ذلك الفصل لن يعيق مسعى حزب الله إلى اخضاع الآخرين.
وليس غريبا أن تكون الشعارات المرفوعة في صنعاء وبيروت وبغداد واحدة. المقاومة مقابل الرفض الشعبي للهيمنة الإيرانية. فعلى مستوى الحراك الشعبي المناهض للمشروع الإيراني لا ترد كلمة المقاومة، فهي في حقيقة تصريفها الواقعي باتت من غير معنى إلا إذا كان المقصود بها مقاومة الاحتلال الإيراني.
حزب الله يحتل لبنان بالوكالة. وهو ما يفعله الحوثيون في اليمن وما يحاوله الحشد الشعبي في العراق. ليس هناك ما يمنع من التصريح بأن هناك احتلالا إيرانيا. وإذ يهدد حزب الله الآخرين بسلاحه فإنه يعمل على تذكيرهم بتلك اللحظة المفصلية في تاريخ بلدهم المحتل.
وإذا أردنا الانصات إلى صوت الحقيقة فإن كل محاولات الامم المتحدة لإنهاء النزاع في اليمن سوف تؤدي إلى التفاوض مع إيران كونها تملك المفتاح الأخير. وفي ذلك انما يعلن المجتمع الدولي عن هزيمته.
سؤال حزب الله الدائم الموجه إلى دول بعينها "إذا كنت تريدون مساعدة الشعب اللبناني على الخروج من أزمته لمَ لا تذهبون إلى الضاحية الجنوبية؟ سيكون السيد في استقبالكم هناك". قد تفضل تلك الدول الذهاب إلى إيران من أجل أن يأكل الشعب اللبناني لقمته التي صارت أشبه بالسم. ذلك لأن كل ما يقوله اللبناني يمكن أن يعود إليه على شكل رصاصة. فهناك مئة الف مقاتل هم على أهبة الاستعداد للقنص.
عبر العشرين سنة الماضية فرض حزب الله بلغة متعالية مفهوم المقاومة على اللبنانيين باعتباره البديل لكرامتهم وحريتهم وكل أساليب العيش التي يتبعونها. كانت المقاومة دائما أفضل منهم وستظل كذلك.
يهين حسن نصر الله اللبنانيين في كل خطاب من خطاباته.
إنه يذكرهم بأن دولته هي التي تحفظ دولتهم من الانهيار والزوال. كما أنه لا يرى فيهم شركاء مؤهلين للحكم وأيضا لا يرى فيهم ما يبشر في إمكانية التفاعل مع الحرب الدائمة فهم من وجهة نظره لا يشعرون بالخطر الإسرائيلي. وفي النقطة الأخيرة لا يمكن سوى المصادقة على كلامه. فاللبنانيون يعتبرون الاحتلال الإيراني لبلدهم أخطر من الوجود الإسرائيلي على حدودهم الجنوبية.
رسالة الشعب اللبناني واضحة "عزيزي نصر الله لا تشكل إسرائيل خطرا على مصيرنا مثلما تفعل إيران". أفي ذلك ما يشكل سببا لتوجيه اللوم إلى اللبنانيين؟ لقد وصلت الرسالة كاملة. ذلك ما سبب ذعرا لنصر الله. وهو ذعر لا يمكن لإيران أن تطيقه في انتظار بدء الجولة الجديدة من مفاوضات النووي.
لا فرق بالنسبة للبنانيين إن جن جنون نصر الله أو ألقى خطاباته باعتباره مكلفا من الولي الفقيه فإن الهدف سيكون نفسه. المقاومة عليكم لا لكم.