كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
مقابلة مهمةٌ بثتها قناة «العربية» نهاية الأسبوع الماضي لنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع موقع «vice» الأميركي والتي شرح فيها بإيجازٍ محكمٍ سياسات السعودية في المنطقة وطبيعة العلاقات الدولية فيها والمستقبل الذي تسعى السعودية لصنعه في ظل صراعٍ محتدمٍ بين إيران من جهةٍ والسعودية وأميركا ودول المنطقة وشعوبها من جهة أخرى.
هناك العديد من المفاهيم المغلوطة عن المنطقة في الدول الأوروبية ولدى العديد من التيارات السياسية في أميركا، وثمة حاجة ملحةٌ لتوضيحها هناك، وإطلاع كل باحثٍ مستقلٍ وكل كاتب متخصص وكل مواطن يبحث عن الحقيقة عليها. إنها مهمة جلّى ستغير كثيراً في تعاطي الدول الكبرى الحليفة للسعودية مع مشكلات المنطقة.
خلل التوصيف يؤدي لخلل في الفهم، وخلل الفهم يؤدي لخلل في السياسات، ومن تلك الأخطاء الشائعة في الغرب تلك الشعارات التي يطلقها بعض الدارسين الغربيين مثل القول بأن السنّة يمثلون الأكثرية الديكتاتورية في الإسلام بينما الشيعة هم الأقلية الديمقراطية ولا شيء أبعد عن الصحة من هذا التوصيف الطائفي البغيض.
هذه الفكرة صيغت بتأثرٍ واضحٍ بشعارات النظام الإيراني ورؤيته الطائفية البغيضة لصراعات المنطقة ودولها، ومع التأكيد بأن النظام الإيراني يستخدم الطائفية كسلاح سياسي للتوسع وبسط النفوذ، وأن النظام الإيراني نظام سياسي مؤدلجٌ يستغل الدين والمذهب والشعارات لخدمة أهدافه التوسعية، كما هو شأن كل حركات الإسلام السياسي ورموزه في العالم، فقد أوضح الأمير خالد في هذه المقابلة أن «الولي الفقيه» لا يكون إلا إيرانياً بعكس المرجعية الدينية التقليدية في المذهب الشيعي التي ينالها كل من استحقها وفق تراتبية المذهب المعروفة، وأكد الأمير خالد أن الولي الفقيه لا يكون إلا إيرانياً، لا لبنانياً ولا عراقياً ولا من أي جنسية أخرى، ما يظهر المشروع الإيراني عارياً من شعاراته.
من المفاهيم الغربية الخاطئة، محاولة التفريق بين النظام الإيراني وجماعة «الإخوان المسلمين» وأتباعها من تنظيم «القاعدة» و«داعش» وحركات الإرهاب السني، فهم يعتقدون - بسبب قلة المعرفة - أن الخلاف الطائفي يمنع أي وسيلة للتحالف بين الجهتين، وهو ما أوضحه نائب وزير الدفاع السعودي في حديثه الواضح والصريح عن المشتركات الكبرى بين الجهتين من ناحية الآيديولوجيا والأهداف والغايات ومن حيث المصالح والمفاهيم والأفكار، وأن الجانبين لديهما عدوٌ مشتركٌ هو السعودية وأميركا.
مسلحاً بالأفكار والحقائق والأرقام كانت إجابات الأمير خالد تنضح بالمواقف المحكمة والسياسات العاقلة للسعودية مع قوة العارضة وحضور الحجة وسلاسة الشرح في إيصال المعلومة، ومن أوضح الأمثلة في المقابلة حديث الأمير عن مسؤولية إيران عن الإرهاب السني، حيث قال إن هذه التنظيمات الإرهابية لم تهاجم إيران قط، ولا بأصغر الهجمات، بينما هاجمت السعودية بما لا يقل عن مائة وثلاثين مرةً، واعتمد على وثائق بن لادن نفسه التي نشرها الأميركيون أنفسهم والتي تؤكد أن النظام الإيراني كان داعماً لوجستياً وحليفاً ثابتاً للنظام الإيراني.
تعدّ هذه المقابلة خطوةً في الاتجاه الصحيح، فضعف الحضور العربي في الإعلام الغربي وبخاصة الأميركي يمثل ظاهرة مؤذية للسعودية وللدول العربية وشعوبها، وهي تعيقنا عن إيصال مواقفنا وشرح سياساتنا لحلفائها وشعوبهم، وهذه ظاهرة خاطئة جداً ومضرةٌ لنا جميعاً ويجب أن تكون هناك استراتيجية فاعلة لتعديلها لإيصال صوتنا لصانع القرار وللمثقف والمواطن الأميركي، ولتحسين صورة السعودية هناك، والتحسين هنا ليس بمعنى تحسين القبيح ولكنه بمعنى تحسين الصورة القبيحة في الأذهان هناك والتعريف بصورتنا الحقيقية.
تشبيه وضع السعودية مع اليمن بوضع أميركا مع فيتنام الذي طرحه السائل هو تشبيه خاطئ تماماً وقد قال عنه الأمير بالحرف: «إن فيتنام تبعد عن الولايات المتحدة 7 آلاف ميل، أما اليمن فهو جارنا، ونشترك معه في حدود يتجاوز طولها الألف ميل، أتساءل ماذا كانت ستفعل الولايات المتحدة لو أنه كان على حدودها الجنوبية ميليشيات إيرانية وأطلقوا 160 صاروخاً باليستياً باتجاه الولايات المتحدة بما في ذلك واشنطن»؟
شرح الأمير بوضوح الفرق بين السعودية وإيران في الرؤى الكبرى، فالسعودية لديها رؤية ولي العهد «2030» المستقبلية التي باركها الملك وتمثل الشعب السعودي وشبابه وتحترم النظام الدولي ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، بينما إيران لديها رؤية الثورة الإسلامية المزعومة 1979 والتي تمثل الماضي السيئ للدولة الإيرانية والشعب الإيراني ولا تحترم النظام الدولي، ومشروعها الحاكم لها هو مشروع توسعي لا يعترف بالدول ولا يحترم سيادة الدول ولا حدودها، بل يعتمد حدود الآيديولوجيا التي يرى أنها تمنحه الحق في التوسع.
مشروع التوسع الإيراني هو مشروع إمبراطوري فارسي يسعى لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية في التاريخ السحيق، وهو يلتقي مع مشروع استعادة الخلافة العثمانية الذي يسيطر على تفكير إردوغان، كلاهما يريان النموذج الأفضل منجزاً في الماضي يجب فقط استعادته، بينما السعودية ترى أن النموذج الأفضل هو في المستقبل، فهو بالتالي برسم البناء والتنمية والتطوير الشامل للوصل إليه، وشتان ما بين الرؤيتين.
هاجمت إيران السعودية دولةً وشعباً بكل ما تسطيع، فقتلت الأبرياء وفجرت المباني واستهدفت الحجاج المسلمين بالقتل والتدمير في البلد الحرام في الشهر الحرام، ومع ذلك لم تهاجم السعودية الشعب الإيراني ولا مرةً واحدةً لأنها تعرف أن العدو هو النظام وليس الشعب.
كغيري من السعوديين المعجبين بالثقافة الإيرانية، يردد كاتب هذه السطور أشعار عمر الخيام وقصائد حافظ الشيرازي ويمتلك سجادةً تتوسط منزله من نسج مصنع إيراني للسجاد، للوحة رسمها الفنان الإيراني محمود فرشجيان، ومن هنا جاء حديث الأمير خالد عن «الشعب الإيراني العظيم» وقد تبعه حديث وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير بنفس المعنى.
سؤال مهمٌ طرحه الأمير خالد عن سبب وجود أقليات إيرانية في أميركا وألمانيا، وهو لماذا لا توجد أقلياتٌ سعوديةٌ هناك مع أن السعودية ترسل مئات الآلاف من الطلاب للدراسة؟ والجواب يوضح الفرق بين بناة المستقبل ومؤدلجي الماضي.
أخيراً، فكما أوضح نائب وزير الدفاع السعودي لم يبدأ العالمُ ولا السعودية والعرب عداءَ إيران لترد الفعل بل هي التي ابتدأت ذلك العداء، وكتبته في دستورها، وقد قال الخميني صراحة: «إن بإمكانه أن يحول الخليج إلى كرة من النيران، إن جرؤ أحد على المساس بنا».