كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
بانتخابات أو من غيرها فإن كل شيء سيبقى على حاله في العراق وبالتحديد في مؤسسة الحكم. أما أصوات الناخبين فلا أحد يأخذ بها. فالانتخابات مجرد إجراء شكلي لإرضاء المجتمع الدولي ولتلميع صورة الولايات المتحدة وهي المسؤولة عن اختراع النظام السياسي في عراقها الجديد الذي هو ثمرة احتلالها.
أما أن يصدق عراقيون أن عليهم ألا يفرطوا بالديمقراطية التي هبطت عليهم بالمظلات وصاروا بعدها ديمقراطيين ينعمون بحرية الإدلاء بأصواتهم في انتخابات نزيهة تُنفق عليها أموال، تكفي لإنقاذ فقراء العراق من البحث عن غذائهم في المزابل فذلك شأن لا يُقبل به إلا على سبيل المزاح الثقيل الذي يمكن أن يقع عابرا ولمرة واحدة. أما حين يتعلق الأمر بمصير شعب فيجب أن توزن الأمور بميزان آخر، يكون من الواجب أن يُقال “إن الكذبة الأميركية طال أمدها وصارت مملة حتى بالنسبة إلى مَن أطلقها وتبناها وروج لها”.
الأميركيون الذين غادروا صوريا منذ 2011 لم يعد العراق يجري على ألسنتهم. لا ذكر له في وسائل إعلامهم حتى لو وقعت فيه أحداث أسطورية لا تنتمي إلى تاريخ الإنسان العاقل. لقد تركوا العراق الذي اخترعوه وراءهم. هو نوع من الذاكرة التي طُويت. لا أحد منهم يرغب في فتح أوراقها. سواء أكان العراق ديمقراطيا أم لم يكن فذلك شأن عراقي بحت لا يعني الأميركيين في شيء.
المنطق الأميركي يقول “لقد قبل العراقيون بنظام المحاصصة الطائفية وهو نظام يقوم على أحزاب تعاونت مع الاحتلال وقبضت ثمن تعاونها. أما أن تستمر في قبض ذلك الثمن فهو أمر يخص العراقيين الذين خلطوا الدين بالسياسة فأصبح شاب لا يفهم حتى في قضايا الدين مثل مقتدى الصدر زعيما سياسيا يحتكر تمثيل أكثر من سبعة ملايين شخص لا يغيرون من ولائهم له حتى لو أنه وصفهم بأسوأ الصفات” والأميركان محقون في ذلك، ولكنه ليس صك براءة.
حين يتجه إلى الانتخابات شعب مهزوم ينبغي ألا نتوقع نتائج سارة. لقد هزم العراقيون أنفسهم بأنفسهم حين صدقوا أن السلة السياسية الوحيدة التي عرضها عليهم الأميركان قابلة لإنتاج طبقة سياسية إلى الأبد. وحين ذهب القليل منهم إلى الانتخابات الأخيرة فإنه كان مصدقا أنه قادر على إحداث تغيير في تفاصيل تلك السلة بما يضمن له الانتصار على الأكثر فسادا من الفاسدين. وذلك كان مجرد وهم.
لم يضحك عليهم الصدر حين فاز وحين تراجع عن فوزه.
فالرجل باعتباره مسؤولا عن دينهم ودنياهم حسب التوصيف السائد فإنه سبق أن اعتبرهم جهلة. وهو في ذلك على حق. فلو لم يكونوا جهلة لانتبهوا إلى الفخ الذي سقطوا فيه بعد أن توجهوا إلى النجف باعتبارها موقع القرار السياسي وهو أمر زائف روجت له الأحزاب (الدينية) من أجل أن تغطي على هيمنتها على ثروة العراق وهي ثروة أسطورية، كان من شأن وضعها في أيد أمينة ونزيهة أن ترتفع بالشعب العراقي إلى أعلى مراحل الرفاهية.
لقد مرت عشرون سنة ولا يزال المسؤول الأول عن المذابح التي وقعت أثناء الحرب الأهلية التي شهدها العراق ما بين عامي 2006 و2007 يحظى بثقة الفقراء بالرغم من أن مزاجه المتقلب صنع حكايات، كان بعضها فكاهيا والبعض الآخر مأساويا غير أنه لا يزال ممسكا بصولجان الملك. بدليل أنه وهب أخيرا أصوات العراقيين التي رشحته لزعامة المرحلة المقبلة إلى خصومه وهم سادة الفساد أو السياسيون الأكثر فسادا الذين سعى العراقيون لإلحاق الهزيمة بهم ونجحوا في مسعاهم. غير أن الصدر أبى سوى أن يكون وفيا للنظام من أجل أن يستمر في سياق الوصفة الأميركية.
هل نلوم الصدر أم نلوم الملايين التي تقف وراءه أم نضع اللوم على الشعب كله؟ لا تغرينا الأسئلة. ذلك لأنها كلها تقع في سؤال واحد يتعلق بعلاقة الشعب بالنظام الذي لم يعد صالحا منذ بدايته للاستهلاك كالأغذية الفاسدة. بقاء النظام هو لحظة مخزية في تاريخ الشعب العراقي وفي تاريخ العراق. بالصدر، بسواه، بالديمقراطية، بالاستبداد الديني، بعبث الميليشيات أو بانضباطها وراء سلاحها غير القانوني، لا يصلح نظام المحاصصة الطائفية للبقاء، بل إن وجوده كان جريمة أميركية، كان على العراقيين أن يقاوموها بدلا من أن ينتظروا منها الفرج.
“لقد خدعنا الصدر” تلك جملة يجب ألا تُقال. الصحيح أن يُقال “لقد خدعنا أنفسنا بالقبول بنظام المحاصصة الطائفية”.