ماذا بعد سقوط الأسد؟
كريم فرمان
ما كان أفضل وصف للحالة الجديدة في سوريا ما قاله الناطق باسم الأمن القومي الأمريكي بان اي وضع جديد في...
قبل بداية الغزو الروسي لأوكرانيا كنت قد كتبت مقالا تحت عنوان "الغاز الروسي أقوى سلاح في وجه أوروبا" توقعت فيه أن بوتن سيمضي في حربه دون أن يكترث للعقوبات التي كان الغرب يلوح بها وأن التضخم سيرتفع بمعدلات قياسية في أوروبا وأميركا وهو تماما ما يجري الآن، بالرغم من أن الغرب يحاول أن يغطي على تبعات المعالجة الخاطئة للأزمة التي أرادوها أن تغرق بوتين فغرق الجميع بمن فيهم بوتين. والألعن من كل هذا أن غباء بايدن قدم هدية من ذهب للصين التي تعزف منفردة وتحقق مكاسب اقتصادية هائلة في الوقت ذاته تنخفض شعبية الرجل الأول في البيت الأبيض الى الحضيض بفعل الأزمة الاقتصادية ومعدلات التضخم الكبيرة وغلاء المحروقات.
ربما أساء الغرب التقدير في عزم بوتين على اجتياح أوكرانيا بمجرد أن يتم تخويفه بالعقوبات الاقتصادية ولكن ثعلب الكرملين صمم على اجتياح أوكرانيا وربما كان الغرب يرسم طريقا لبوتين للسقوط في الفخ وينتظر أن يباشر الحرب. ولكن الغرب أدرك المنعطف الأخير قبل بداية الغزو أن بوتين كان يتوقع أن يتم التضييق عليه اقتصاديا حتى وان لم يقم بالدخول في مواجهة عسكرية، فكان القرار الدخول فيها بشجاعة واستعمال كارت "الغاز مقابل الروبل الروسي" للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة.
بدأت المعالجة الخاطئة للحرب عندما احرقت دول الناتو كل أوراقها في بداية المشوار مستعملة سلسلة من العقوبات التي كان هدفها تركيع بوتين وتقسيم روسيا مجددا تماما مثل ما فعلوا مع الاتحاد السوفياتي، وزعم الغرب بأن حماية أوكرانيا ودعم زيلنسكي في وجه بطش بوتين أهم من الغاز ومن أي ابتزاز روسي وتوقع الغرب ان بوتن سيأتي مذلولا يطلب إيجاد مخرج من الورطة ومقايضة الغاز بتخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه ولكن الثعلب الماكر كان قد درس المسألة جيدا وهو على يقين من أنه في موقف قوة مادامت أوروبا هي من تحتاج غازه حتى وان كانت تحاول إنكار ذلك.
خدم الموقف الخليجي والموقف الصيني روسيا بشكل لم يتوقعه الغرب الذي كان يظن ان الصين ستمسك العصى من الوسط وتحاول الابتعاد عن بوتن وأن دول الخليج ستربط موقفها من الازمة بحاجتها إلى دعم غربي يكبح إيران ويعرقل ملفها النووي؛ هذه المواقف ساهمت بشكل كبير في اضطراب أسواق النفط والغاز وفتحت لروسيا ثغرة تمكنت من خلالها أن تستعيد الأنفاس وأن تجهز نفسها لحرب طويلة المدى عنوانها "أوروبا ستتجمد بردا في عز شتاء 2023".
أصبح من الصعب الآن معالجة الأزمة بدون تقديم تنازلات لبوتين حتى وإن لزم الأمر قبول إحتلال شرق أوكرانيا واستبدال زيلنسكي بانقلاب عسكري يحسم المفاوضات مع روسيا، لتصبح أوكرانيا التي ذهب الغرب لمساعدتها دولة مارقة ولا تستحق المساعدة.
الغرب الآن يحاول استعراض عضلاته من خلال اعلان توسيع نفوذ القوة العسكرية الأميركية في أوروبا وسيتجه إلى البحث عن مفاوضات لعلها تحفظ ماء الوجه وتظهر بوتين في ثوب الخائف والغرب في ثوب المسيطر والقوي.
الغاز الروسي معادلة صعبة في حرب روسيا ضد الغرب: لا اسميها حرب روسيا ضد أوكرانيا لأن أوكرانيا مجرد حلبة صراع ولأن زيلنسكي مجرد بهلوان لا يقدم ولا يؤخر في الوضع شيئا ولم يكن ليصل الى حكم أوكرانيا لولا ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014 والذي جعل الأوكرانيين يخاصمون السياسيين ويختارون ممثلا كوميديا.
أوروبا اليوم أدركت أن الحرب ضد روسيا ستكون على المدى الطويل وأن مسألة الغاز ستكون أكبر حاجز للاستمرار فيها لأن ذلك سيعود بالضرر على كل من يحتاج هذا المورد الاستراتيجي والذي لن تنفع معه بواخر أميركا ولا إمدادات إسرائيل ولا زيادة ضخ الغاز الجزائري والقطري: ستكون هذه الشحنات بمثابة مسكنات لأنها لن تستطيع اشباع السوق الأوروبية وخفض الأسعار.
لقد دقت ألمانيا جرس الإنذار مسبقا وصارحت شعبها بأن شتاء 2023 سيكون الاقسى في تاريخ البلد، ثم تحدثت فرنسا عن امكانية اعادة تشغيل محطات الفحم وكأن ألمانيا وفرنسا تحاولان تهيئة الرأي العام لقبول التفاوض مع بوتين في حربه مقابل تجنب عودة أوروبا إلى القرن الثامن عشر، وحتى وإن كانت قمة السبع قد تعهدت لعدم السماح لبوتين بالانتصار إلا أنها لم تكشف بأن احتمالات البحث عن هدنة وتفاوض ممكنة ولهذا خرج الكرملين بتصريح يتزامن مع انعقادها مفاده أن روسيا مستعدة لإنهاء الحرب بشرط واحد وهو استسلام كييف، ليوجه رسالة للغرب بأن روسيا لا تبحث عن حلول بل الغرب من يبحث عنها.
مسائل عديدة تدفع الغرب لقبول "تأجيل الحرب ضد بوتين" لأن تغول الصين اقتصاديا ونشأة فكرة التحرر من الأحادية القطبية وخسارة التحالفات في دول الخليج وتهديد إيران بضرب إسرائيل يستدعي خفض التوتر وعودة الوضع الى ما كان عليه قبل غزو أوكرانيا وربما سيكون هناك جولة جديدة من المواجهة ضد بوتين عندما يتخلص الغرب من حاجتهم لغازه.
كون روسيا تملك سلاح الغاز في يدها لا يعني أنها قد انتصرت: أمام روسيا تحديات كبيرة خاصة في مسائلها الداخلية ووضعها الاقتصادي الذي سيكون له أثر كبير على شعبية بوتين خاصة وان العديد من الأصوات المعارضة ضد نجحت في إقناع الأغلبية الصامتة في ان بوتين اتجه لأوكرانيا لمنعها من الانضمام للناتو ولكنه لم ينجح في ردع السويد وفنلندا كما يقول المثل الشعبي "وكأنك يا أبو زيد ماغزيت" وفي النهاية فان تفكير الجيل الجديد من الروس سيكون براغماتيا ولن يلفت لشعارات استعادة المجد واحياء الشيوعية ونهج لينين في العالم مقابل تقبل البطالة والتضخم وانهيار القدرة الشرائية.
أتوقع ان يتم الاطاحة بزيلنسكي وتقديمه كبش فداء ليخرج الغرب من المستنقع الاوكراني الذي إذا لم يجف فسيستمر في ابتلاع مليارات الدولارات من خزائن اميركا وأوروبا وسيستمر في إنهاك أوروبا المحتاجة لغاز بوتين وسيفتح الباب للصين في أن تتجاوز الولايات المتحدة اقتصاديا، وسيكون هذا الانقلاب ناعما بحيث سيوحي للجميع بأن أوكرانيا لا تستحق المساعدة لأنها خرجت من الشرعية والديمقراطية.