قال لنا منذ عام: انها الحرب

كثيرا ما ينتقد العرب بعضهم البعض ويقللون من شأن بعضهم البعض، فقد أخبرنا طلال أبو غزالة في مقابلة له مع احدى القنوات أن الحرب قادمة بعد وباء كورونا لا محالة، فانتقده البعض بمن فيهم النطيحة والوقيعة والمتردية واستهزئوا بكلامه ثم تبين أنه كان يعرف ما لا يعرفون، وهذا ما يسمى بـ "النزق" أي أن الناس يحبون ويكرهون دون سبب وهي أقوى سمة في الشخصية العربية، فنحن ننظر الى من الذي يتكلم وليس الى ما يقوله، وقد يقول شخص عادي كلاما يوزن بالذهب فلا نلقي له بالا، وإذا ما قال كلامه شخصية ذات سطوة صدقناه وأشدنا بحكمته، ولست هنا في صدد الدفاع عن أبو غزالة أو غيره، ولكنني آسفة على حال العرب فهم يركزون على الأشخاص ويقدسونهم ويرفعون من شأنهم اذا كانوا ذوي نفوذ ويتجاهلون الأكفاء ممن يفهمون ما يجري في العالم ويحللونه تحليلا منطقيا.

هل حظي أبو غزالة بشيء من التفخيم والتبجيل مما يحظى به أشخاص فاشلون ولم ينجزوا للأمة شيئا؟ هذا رجل ذو ثقافة موسوعية، وجدير بأصحاب الأمر والنهي تسليمه قياد الاقتصاد في أية دولة عربية لأنه على دراية وفطنة لا يجاريه فيها سوى قلة قليلة، والأمة بحاجة لمن يفهمون كيف تدار الأمور والذين لهم انجازات وسجل حافل بالنجاحات، فلماذا يترك ابو غزالة بينما يعين غيره لكي يتعلموا ويجربوا ويخطئوا بينما الشعوب تعاني وتختنق وهي صابرة على هذا المسؤول وهو يجرب حتى يتعلم على حساب سلامتهم وأرزاقهم؟

إن هذا التوجه موجود لدى العرب ونادرا ما يختارون أشخاصا ناجحين لكي يتولوا زمام الأمور ويخرجوهم من الضيق الى السعة ومن الفاقة الى الوفر، وكم من جاهل جرب وجرب حتى بات العرب نصف أموات ونصف أحياء، فهم لا يزالون بنفس عقلية "وإنا لنضرب رأس كل قبيلة وأبوك خلفك أتانه يتقمل" فيما العالم يتطور ويزرع ويصنع وبلغ من الترف ما لا يحلم به الانسان العربي. ألم يقل جرير "بَيْتاً بَنَاهُ لَنَا المَلِيكُ ومَا بَنى/حَكَمُ السّمَاءِ، فإنّهُ لا يُنْقَلُ" فنحن نقسم الناس اشرافا وعبيدا وندعي أن هذا التقسيم جاء من عند الله، بصرف النظر عما اذا كان هذا رجل أعمال مبدع ويمكنه انتشال البلاد من الغرق، فأبو غزالة لا يعني شيئا مع أنه لو تولى التدقيق الداخلي في بعض الدول الفاسدة لاصطادهم كالذباب الذي يلتصق بالمصيدة اللاصقة، ولكن هذا ليس من أولويات أصحاب النفوذ.