الإجراءات التأديبية استُخدمت مرة واحدة في تاريخ المنظمة

مجلس أوروبا يعاقب تركيا بسبب عثمان كافالا

تعكس الإجراءات التأديبية التي اتخذها مجلس أوروبا ضد تركيا بسبب مواصلة حبس المعارض عثمان كافالا دون أدلة كافية على تورطه في محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 تدهور دولة القانون في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان وهو أحد الأسباب الرئيسية لتوتر علاقات أنقرة مع الغرب.

كافالا صداع يؤرق أردوغان

ستراسبورغ (فرنسا)

أعلن مجلس أوروبا الجمعة إطلاق إجراء تأديبي بحق تركيا على خلفية رفضها الإفراج عن المعارض البارز عثمان كافالا، في خطوة لم يسبق أن استُخدمت إلا مرة واحدة في تاريخ المنظمة.

واتفقت لجنة الوزراء الحقوقية التابعة للمنظمة الأوروبية على الخطوة بعدما رفضت تركيا مرارا الامتثال إلى حكم صدر عام 2019 عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يقضي بالإفراج عن كافالا.

ويأتي ذلك في ظل تصاعد القلق حيال انتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، خصوصا بعد انقلاب 2016 الفاشل ضد الرئيس أردوغان الذي استهدف مرارا كافالا بشكل شخصي في خطاباته.

وقال مجلس أوروبا “تعتبر اللجنة بأن تركيا ترفض الالتزام بحكم المحكمة النهائي بضمان الإفراج الفوري عن المتقدّم بالطلب”.

وحضّت الخارجية التركية مجلس أوروبا الخميس على عدم إطلاق الإجراء “احتراما للعملية القضائية الجارية”، محذرة من أن الخطوة ستمثّل “تدخلا” في شؤونها الداخلية.

ورحّب مدير برنامج أوروبا لدى منظمة العفو الدولية نيلز موينيكس بالرسالة الموجهة إلى تركيا بشأن قضية وصفها بأنها “واضحة تماما”.

وقال إن “فشل تركيا في ضمان الإفراج الفوري عن كافالا وإنهاء ملاحقته القانونية المدفوعة سياسيا يعد خرقا غير مقبول لالتزامات الدولة حيال حقوق الإنسان”.

وهذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها مجلس أوروبا هذه الإجراءات ضد أحد البلدان الـ47 المنضوية فيه. وكانت المرة الأولى عام 2017 عندما أطلق إجراء مشابها ضد أذربيجان لرفضها إطلاق سراح المعارض ألغار مامادوف. وأطلق لاحقا سراح مامادوف في أغسطس 2018، ما أدى إلى وقف الإجراءات.

واعتُمد الإجراء عام 2010 لضمان الامتثال الكامل لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الملزمة قانونيا للدول الأعضاء.

وعلى اعتبارها عضوا في مجلس أوروبا منذ العام 1950، فإن تركيا ملزمة على غرار كافة الدول الأعضاء بالامتثال إلى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو أمر تشرف عليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ويضع قرار اللجنة الوزارية، الذي يحتاج موافقة الأغلبية بثلثين، تركيا حاليا قيد مذكرة رسمية مفادها بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ستتولى النظر في فشلها في إطلاق سراح كافالا.

وستقرر المحكمة بعد ذلك بشأن إن كان عدم تطبيق تركيا لقرارها يمثل انتهاكا إضافيا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ولدى تركيا مهلة أقصاها التاسع عشر من يناير للرد. وبعدها ستحيل اللجنة القضية مجددا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في اجتماعها المقبل في الثاني من فبراير. ومن المقرر أن تنعقد الجلسة المقبلة في قضية كافالا في إسطنبول بتاريخ السابع عشر من يناير.

ويتيح النظام الأساسي لمجلس أوروبا تعليق حق دولة عضو في التصويت في اللجنة الوزارية أو حتى طردها كإجراء عقابي أخير. لكن مازالت هذه القضية بعيدة عن الوصول إلى هذه المرحلة علما أن هناك آلية لحل منازعات من هذا القبيل.

وتحوّل سجن كافالا إلى إحدى القضايا الأبرز في تركيا في عهد أردوغان، الذي يدير البلاد منذ عقدين لكنه يواجه حاليا أزمة اقتصادية شديدة.

وساعد رجل الأعمال البالغ 64 عاما والمولود في باريس في تمويل مشاريع تتعلق بالمجتمع المدني وانخرط على وجه الخصوص في مساعي تحقيق مصالحة بين تركيا وجارتها أرمينيا التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بأنقرة.

واتّهم الرئيس التركي مرارا كافالا بأنه عميل للملياردير المدافع عن الديمقراطية جورج سوروس وبلعب دور رئيسي في احتجاجات واسعة عام 2013 ضد عملية تطوير عمراني لحديقة في إسطنبول. لكن كافالا يرفض اتهامات أردوغان القائمة على “التشهير” والتي رأى فيها “هجوما على الكرامة الإنسانية”.

وتمت تبرئة كافالا للمرة الأولى في فبراير 2020 لكنه أوقف قيد التحقيق في اليوم التالي ثم أعيد سجنه بتهمة “دعم” محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان في يوليو 2016.

وأدى رفض تركيا الإفراج عن كافالا إلى توتر العلاقات مع الغرب. وفي أكتوبر قالت عشر سفارات بينها الفرنسية والألمانية والأميركية، في إعلان فريد من نوعه إن مواصلة اعتقال كافالا “تلقي بظلالها” على الديمقراطية في تركيا ونظامها القضائي.

وهدد أردوغان حينذاك بطرد السفراء الغربيين العشرة، في خطوة تراجع عنها لاحقا.

وقضت محكمة تركية الجمعة الماضي بمواصلة اعتقال كافالا. ومن المتوقع أن يظل في السجن حتى جلسة الاستماع المقبلة في السابع عشر من يناير.

ونص قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 2019 على أنه من خلال احتجاز كافالا في الحبس الاحتياطي ومحاكمته على أساس أنشطته في مجال حقوق الإنسان، فإن السلطات التركية “اتبعت غرضا خفيا، ألا وهو إسكاته كمدافع عن حقوق الإنسان”. وأدينت تركيا بموجب المادتين 5 و18 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، منتهكة حق كافالا في الحرية وأساءت لتقدير الحكومة لفرض قيود مشروعة على الحقوق.

وفي حال أدين كافالا بتمويل احتجاجات 2013 المناهضة للحكومة ولعب دور في محاولة انقلاب عام 2016، قد يُسجن مدى الحياة من دون احتمال إطلاق السراح المشروط.