الحركة الإسلامية تنتقد إحالة أمنيين على التقاعد الوجوبي

محاولة تفكيك منظومة "الأمن الموازي" في تونس تزعج حركة النهضة

صعّدت حركة النهضة الإسلامية في تونس من خطابها تجاه رئيس الجمهورية قيس سعيد في بيان لمكتبها التنفيذي مستنكرة الإجراءات التي قام بها وعلى رأسها إعفاء قيادات أمنية بارزة توصف بأنها مقربة منها، في خطوة ترى أوساط سياسية تونسية أنها متوقعة حيث استشعرت الحركة خطر تفكيك ما بات يُعرف بمنظومة "الأمن الموازي" التي تتهم النهضة بوضعها خلال سنوات حكمها.

الأمور خرجت عن سيطرة النهضة أمنيا وسياسيا وقضائيا

تونس

يعكس البيان الذي أصدره المكتب التنفيذي لحركة النهضة الإسلامية في تونس مساء الخميس غضبا إزاء مباشرة السلطات التونسية تفكيك ما يُعرف بمنظومة “الأمن الموازي”، التي تُتهم الحركة في إرسائها أثناء سنوات حكمها، من خلال إحالة العديد من القيادات الأمنية على التقاعد الوجوبي.

 وقالت الحركة في بيان نُشر على صفحتها في فيسبوك إنها “تسجل استمرار رئيس الدولة  في اعتماد خطابات التشنج والتخوين، برز ذلك في أكثر من مناسبة وآخرها استغلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للجيوش لتصفية حساباته مع خصومه، مصرّا بهذا المنهج على إقحام المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي بدل احترام مهامها كما حدّدها الدستور”.

وأضافت أنه “لم تمرّ مدة طويلة حتى تأكّد أن سياسة التعيينات المتبعة قائمة على الولاء الشخصي لا غير، وظهرت الخلفيّة السياسية في الإحالات على التقاعد الوجوبي (في إشارة إلى مجموعة من الأمنيين) وفي تعيين الولاة وغيرهم من المسؤولين”.

وتُشير بذلك الحركة، التي أزاحتها إجراءات الخامس والعشرين من يوليو التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بعد أن فعّل الفصل 80 من الدستور الذي ينظم الحالة الاستثنائية، إلى إحالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين لـ18 قياديا أمنيا بارزا على التقاعد الوجوبي، وقد عُرف عدد منهم بقربه من النهضة التي تُتهم بإنشاء “أمن موازٍ”.

وترى أوساط سياسية تونسية أن النهضة تُحاول التصدي لجهود تحييد الإدارة والأمن التونسي رغم الهزات التي شهدها الحزب سواء بسبب الانقسامات الداخلية أو بسبب خروجها من الحكم والعزلة التي تعيشها.

وقال منجي الحرباوي الناشط السياسي التونسي إن “المراجعات الجارية في وزارة الداخلية مست حركة النهضة في النخاع؛ فالتعيينات التي أجراها شرف الدين وإعفاء القيادات القريبة من النهضة هما ما استفزها، لأن هؤلاء كانوا يمثلون غطاءً أمنيا واستخباريا للحركة”.

وتابع الحرباوي في تصريح لـ”العرب” أن “الحركة تفتتت بسبب المساس بجهازها السري، لذلك أصبحت تدفع ببيانات شبه يومية فيها ما ينسب إلى مكتبها التنفيذي وفيها ما ينسب إلى رئيسها وفيها ما ينسب إلى مجلس الشورى، وواضح أن سبب هذا الارتباك هو خسارة الحركة للغطاء الأمني والقضائي الذي كانت تتمتع به”.

وتشهد تونس مسارا سياسيا انتقاليا دشنه الرئيس سعيد عندما لجأ إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخذ إجراءات من بينها تجميد عمل واختصاصات البرلمان الذي تسيطر عليه النهضة ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي.   

وتعهد قيس سعيد بتغيير نظام الحكم من خلال استفتاء إلكتروني، وكذلك بتعديل القانون الانتخابي، لكن النهضة وصفت تلك الإجراءات بالانقلاب وحشدت الأنصار في الداخل كما في الخارج لترويج هذه الرواية.

وعين حكومة برئاسة نجلاء بودن، وهي حكومة بمنأى عن المحاصصة الحزبية وستتولى تنفيذ برنامج الرئيس سعيد.

ومنذ ذلك الحين بعث قيس سعيد كما الفريق الحكومي بإشارات مفادها أنه سيتم تحييد الإدارة من الموالين للأحزاب الذين جرى تعيينهم منذ قيام الثورة في 2011.

بعد إعفاء شرف الدين المقرب من الرئيس التونسي قيادات أمنية بارزة وجه الرئيس سعيد اتهامات مبطنة للحكومات السابقة بارتكاب فساد إداري وممارسة المحسوبية في التشغيل على نطاق واسع ما دفع بالآلاف إلى الانتفاع بوظائف في مؤسسات الدولة بشهادات مزورة.

وقال قيس سعيد خلال لقائه نصرالدين النصيبي وزير التشغيل إن الآلاف تقدموا إلى الوظائف بشهادات تحمل أختاما غير صحيحة بتواطؤ جهات. وأضاف أن عددا منهم جرت إحالته إلى القضاء. وأردف “العديدون انتفعوا بهذه الشهادات بناء على ولائهم”.

وطالبت أحزاب وشخصيات سياسية داعمة للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي بأن يكون تفكيك منظومة التمكين لحركة النهضة أولوية رئيسية في المرحلة القادمة بالتوازي مع مسار الإصلاحات السياسية المنتظرة.

وترى أوساط سياسية تونسية أن التصعيد في خطاب حركة النهضة تجاه الرئيس سعيد بعد الخامس والعشرين من يوليو هدفه خلق مناخ سياسي متوتر يحول دون فتح الملفات المتعلقة بالتوظيف ووضع أنصار الحركة وبعض قادتها في مواقع مختلفة من مؤسسات الدولة.

واعتبر الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي أن حدة الخطابات الأخيرة لحركة النهضة وحلفائها تأتي في إطار خوض حرب نفسية لإثبات تواصل وجودهم، مشددا على وُجوب “أن يفهموا أن مشروعهم انتهى”.

وأوضح حمدي في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية أن “قياديّي الإخوان على علم بأن الفترة القريبة القادمة ستشهد إجراءات وقرارات هم أول المتضررين منها، وسيكونون أول المعنيين بالمحاسبة، سواء في ما يتعلق بالإرهاب أو (ما يتّصل بـ) الاغتيالات السياسية”.

واتهمت النهضة في بيانها مساء الخميس قيس سعيد بالضغط على القضاء والتهديد بإصدار أوامر ومراسيم، قائلة إنها ستكون “على مقاسه رغبة منه في السيطرة على دواليب الدولة والتخلّص من معارضيه، في تناقض صارخ مع الدستور، مقابل صمته التام عن المخالفات الواردة بشأنه في تقرير محكمة المحاسبات”، مضيفة أنه “سيسعى عبر المراسيم إلى تحصين نفسه، كما فعل في الأمر الرئاسي عدد 117 الذي جعله فوق الدستور ولا معقّب عليه”.