الحكومة المصرية تنافس نفسها بمشروعات رسمية موازية

خطط سياسية مقصودة أم نوع من التخبط الإداري

القاهرة

توسعت الحكومة المصرية في تدشين عدد من المشروعات في مجالات مختلفة تخضع تبعيتها لها، وبدت بعيدة عن الجهات التي تتولى مسؤولية تنفيذها، ما أدى إلى وجود هيئات رسمية موازية لأخرى لا تزال تمارس نفس الدور.

وقال محمود عزام إنه أراد إلحاق ابنته بإحدى الجامعات الأهلية الجديدة التي تشجعها الحكومة ليلا ونهارا وتصور أنها محاولة لتحريك المياه الراكدة من خلال خلق منافسة بين القطاعيْن الحكومي والخاص، فاكتشف أنها صورة طبق الأصل من الجامعات الحكومية، والاختلاف يكمن في زيادة المصروفات وتحسن نسبي في مستوى التعليم.

وأضاف لـ”العرب” أنه لا يعلم سر هذا التضارب، إلا إذا كانت الحكومة تريد أن تنافس نفسها، وهي منافسة مبهمة وغير مفهومة ولا تحمل فائدة حقيقية للتعليم الذي يعج بأنواع مختلفة، العنصر المشترك فيها استنزاف جيوب الطلاب وأسرهم.

وطرح هذا النوع من التوجهات العديد من علامات الاستفهام حول أبعاد هذا التوجه، وهل الحكومة مدركة أنها تنافس نفسها، وما إذا كان هذا الاتجاه يعبر عن وجود خطط إرادة سياسية مقصودة أم يعكس نوعا من التخبط الإداري.

وأثارت الجامعات الأهلية التي توسعت الحكومة في إنشائها مؤخرا، وبلغ عددها حاليا سبع جامعات إلى جانب الجامعات الحكومية، غضبًا لدى العديد من القطاعات بعد أن تسببت في إرباك سياسات التعليم الجامعي واضطرت وزارة التعليم العالي إلى التدخل وخفض نسب القبول لاستقبال أكبر قدر من الطلاب وإنقاذها من الخسائر المادية الفادحة التي تعرضت لها نتيجة عزوف الطلاب عنها.

وبدت الحكومة كأنها تعارض نفسها بتوجهها نحو الجامعات الأهلية، وتصيب نفسها في مقتل بخطة تشجيع التعليم الفني، كما أن رغبتها في توجيه عوائدها لتطوير التعليم لتحقق مردوداً إيجابيًا، في ظل تكلفة الإنشاء الباهظة كان يمكن توجيهها لتطوير التعليم، وتسببت هذه السياسة في أزمة تعاني منها الجامعات، حيث جرى تفريغ عدد كبير من أعضاء هيئات التدريس الحكومية لصالح الجامعات الأهلية الجديدة.

ووافق مجلس النواب الثلاثاء الماضي على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الجامعات الخاصة والأهلية بهدف تشكيل مجلس منفصل لإدارة الجامعات الأهلية عن الجامعات الحكومية والخاصة، وبرر التعديل بـ”تكدس أعضاء مجالس الجامعات في مجلس واحد”.

ولا يقتصر وجود الحكومة بوجهين متناقضين في المشروعات المختلفة على التعليم، إذ أن امتلاكها لـ26 قناة تلفزيونية و9 مؤسسات صحافية لم يكن كافيًا بالنسبة إليها وذهبت لتدشين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي استحوذت على الجزء الأكبر من سوق الإعلام، كذلك الأمر بالنسبة إلى شركات القطاع العام التي تعمل بالتوازي مع شركات تعمل في قطاعات شبيهة تابعة لوزارات مختلفة.

ودخلت الهيئات والأفرع ذات العلاقة بالصناعات والعمل المدني بالقوات المسلحة بقوة في المشروعات التي تنفذها وزارات حكومية، إذ أن الهيئة الهندسية التابعة للجيش تشترك في تنفيذ مشروعات تابعة لوزارة النقل والمواصلات، وباتت القوات الجوية مسؤولة عن تنفيذ مشروع “مستقبل مصر” لاستصلاح 2.2 مليون فدان، وتعمل بالتوازي مع وزارة الزراعة.

ويتفق البعض من خبراء التنمية على أن ضعف القدرات الحكومية يتطلب تدخلاً لتحريك الجهات الراكدة التي أضحت تشكل عبئاً على خطط التنمية، أو على الأقل إرسال إشارات تنبيه إليها بأنه ليس هناك مانع في الاستغناء عنها لصالح هيئات جديدة تمارس هذه الأدوار بكفاءة.

غير أن هؤلاء اختلفوا حول تأثر الأداء الحكومي جراء ازدواجية المشروعات التي قد يكون بعضها سببًا في تدمير قطاعات أخرى لديها خبرات لا يجري توظيفها بالشكل الأمثل، أو أنها تفتح المجال أمام لعب الحكومة لدور من صميم القطاع الخاص الذي يتضرر من هذا التوجه، وفي لحظة معينة قد تكون في حاجة إلى ترتيب صفوفها حال تكبدت خسائر لا تستطيع تعويضها، فهناك مصدر إنفاق حكومي واحد لأكثر من جهة.

وقال أستاذ الإدارة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سمير عبدالوهاب إن فكرة منافسة الحكومة لذاتها لها أبعاد إيجابية عديدة، لأنها تجعل هناك منافسة مع القطاع الخاص تكون لصالح السوق والجمهور، وانغماس هيئات جديدة في مشروعات لم تكن حاضرة فيها سابقًا يشجع الوحدات المحلية على الابتكار وتطوير ذاتها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن التوجهات الحكومية لا تنفصل عن التطور الحاصل في مجالات الإدارة والاستفادة من الآليات التي تطبق في القطاع الخاص، مع أهمية ألاّ تترتب على ذلك زيادة في الأعباء والنفقات وألاّ يكون نتيجة ذلك حدوث تضخم في عدد العاملين بالجهاز الإداري الذي يواجه أزمات متعددة.

وأشار إلى أن الحكومة تبحث عن قيادات إدارية ناجحة بديلة لكوادر ترى أن أصحابها لا يستطيعون مواكبة التطورات الحاصلة في المجالات التكنولوجية والتنموية، وهناك إدراك بأن فكرة البيروقراطية التي تهيمن على الوحدات الحكومية جاءت نتيجة العنصر البشري وغياب القيادة القادرة على الإنجاز، وأن نجاح هيئات حكومية جديدة عملت بنفس الأطر القانونية للأجهزة الحكومية برهن على ذلك.

وتحقق الحكومة أكثر من هدف من وراء هذا التنوع، لأن انخراط الهيئة الهندسية التابعة للجيش في مشروعات مدنية يوفر في إجمالي التكلفة الإنشائية.

ويخفف تدشين شركات خاصة بتمويل حكومي أعباء القوانين المرتبطة بالتعامل مع الموظفين والعمالة، في حين أن القطاع الخاص يتحرر كثيراً من تلك القيود التي تقود في أحيان كثيرة إلى تعثر الوزارات والوحدات المحلية في تأدية مهامها.

ويمكن ترجمة ذلك من خلال ملف الإعلام، إذ أن الجهات الحكومية المكدسة بالعاملين لا تجيد التعامل مع البطالة المقننة داخلها في حين أن وسائل الإعلام الخاصة التي امتلكتها الحكومة بشكل غير مباشر تتعامل بأسس سوق القطاع الخاص، ولديها قدرة على تحقيق عوائد مادية، وهو أمر قابل للتحقيق في مجالات وغير قابل في أخرى.

وأوضح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع أن الحكومة عليها القيام بمثل هذه الأدوار لحماية المنافسة وتحصين وزاراتها المختلفة والقيام بأدوار توازن مع القطاع الخاص، وهو ما يحدّ من الاحتكار، غير أنها تتحمل مسؤولية فساد المحليات وعدم مواجهته بشكل أكثر جدية بفعل تجميد انتخاباتها.

وأشار لـ”العرب” إلى أن السيولة التي تعرضت لها البلاد خلال العقد الأخير أجبرت الحكومة على الاستفادة من بعض الجهات الرسمية التي لديها الاستعداد الكافي للتعامل مع الأوضاع المتدهورة في مجالات مختلفة، لكن قد تكون سقطت في أزمة أخرى تمثلت في أن القطاع الخاص يشكو من عدم قدرته على أن يكون موجودا في سوق توفر له الفرص التنافسية المتساوية، وهو ما يقود إلى أزمات اقتصادية وسياسية متباينة.