الصراع في اليمن..

كيوبوست: ماهي أسباب استمرار المعاناة في المناطق المحررة؟

التوقيع على اتفاق الرياض "أرشيفية"

منير بن وبر

لم يستغرق تحرير العاصمة المؤقتة عدن، وغيرها من مناطق الجنوب، من قبضة الحوثيين سوى فترة وجيزة. وعلى الرغم من ذلك؛ فإنها وبقية المناطق المحررة ظلَّت تعاني سوء الخدمات العامة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتزايد الغضب الشعبي على السلطات بمختلف مستوياتها.

وعلى الرغم من أن الجانب السياسي والاقتصادي في اتفاق الرياض جاء لوضع حد للوضع المتردي؛ فإن الاتفاق يصبح غير قابل للتحقيق أكثر فأكثر مع تزايد عجز الدولة عن ملء فراغ السلطة، واستمرار تجميد المشاركة الشعبية في صنع القرارات والرقابة، وتزايد النفور بين مجموعات الصراع المتباينة؛ وفي مقدمتها حزب الإصلاح. سيبقى هذا العجز عائقاً أساسياً لتطبيع الحياة؛ لأنه يحول دون التخطيط والتقييم السليم لعمل السلطات المحلية والمركزية، وسيبقى حل هذه المشكلة أمراً مستعصياً ما لم يتم التعامل معها بطريقة مختلفة.

التخطيط للتنمية

يبذل رؤساء بعض المحافظات؛ كحضرموت في جنوب شرق البلاد، جهداً ملحوظاً للتنمية الاقتصادية، وتحسين الخدمات. ومع ذلك، فنادراً ما يصل ذلك الجهد إلى مستوى مُرضٍ للسكان؛ بالذات الخدمات الأساسية والحساسة؛ كالكهرباء، والتعليم، والخدمات الصحية.


هناك عدة عوامل تحول دون القدرة على إدارة الشأن المحلي بكفاءة، والتخطيط والتنفيذ في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ من أهمها تعطيل المشاركة الشعبية في صنع القرارات. ووفقاً لقانون الإدارة المحلية اليمني واسع الصلاحيات؛ فإن المشاركة الشعبية في صنع القرارات تتم من خلال المجالس المحلية المنتخبة من قِبل الشعب، والتي هي، حسب القانون، جزءٌ لا يتجزأ من سلطة الدولة. ولكن هذه المجالس باتت بلا فاعلية بسبب الصراع، ونقص التمويل، وتوقف الانتخابات.

تؤدي المجالس المحلية دوراً أساسياً في التخطيط للتنمية، متأثرةً بتطلعات الناخبين ووعود المرشحين؛ إذ يعتبر اقتراح البرامج التنموية والخطط الاقتصادية والموازنات الاستثمارية للوحدات الإدارية، كالمديريات والمحافظات، من سلطات تلك المجالس، والتي لها دور مهم في تنفيذ الخطط والبرامج المعتمدة. ومن بين ما تشمله مهام واختصاصات هذه المجالس أيضاً هو دراسة ومناقشة الحالة المالية، ومستوى تحصيل الإيرادات، والعمل على تنميتها، والتعرف على أسباب القصور فيها.

الرقابة والتقييم

دعا اتفاق الرياض إلى اتخاذ عددٍ من الخطوات الرقابية لتحقيق الشفافية وحسن إدارة موارد الدولة؛ منها تفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإعادة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ وهي كيانات تم تجميدها منذ زمن، مثلها مثل المجالس المحلية والبرلمان اللذين يمارسان أيضاً دور الرقابة والتقييم.

تخضع الأجهزة التنفيذية؛ أي جميع مكاتب وفروع الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية في الوحدات الإدارية، لرقابة المجالس المحلية المنتخبة، والتي لها سلطة مساءلة ومحاسبة تلك الأجهزة. كما تشمل مهامها الرقابية الأخرى تقييم مستوى تنفيذ الخطط والبرامج، ومراقبة تنفيذ سياسات التوظيف والقوى العاملة.

وبالإضافة إلى المجالس المحلية، يقوم البرلمان (مجلس النواب)، المنتخب أيضاً، بدور رقابي وتقييمي على أعمال السلطة التنفيذية، إضافة إلى دوره التشريعي والمالي؛ وهو دورٌ يمتد إلى حق استجواب رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء، لمحاسبتهم أو حتى سحب الثقة منهم.

التحدي الصعب

على الرغم من الأدوار المهمة التي قاما بتأديتها؛ فإن وضع المجالس المحلية والبرلمان لم يكن مثالياً في يومٍ من الأيام، حتى منذ ما قبل الصراع، وقد ظلَّت صلاحياتهما الواسعة عُرضة للتقليص والتضليل في كثير من الأحيان من قِبل الحكومة المركزية والمُتنفذين. على سبيلِ المثال، كشفت وثيقة مسرَّبة من السفارة الأمريكية بصنعاء في عام 2009 عن أن وزارة النفط اليمنية ربما كانت تتعمد إخفاء معلومات دقيقة عن البرلمان، رغم إلحاح البرلمان في طلبها؛ لأنها كانت تتستر على أنشطة غير مشروعة.

وعلى الرغم من الفساد وانعدام الشفافية؛ فإنه يمكن القول، من الناحية النظرية، إن تطبيق قانون الإدارة المحلية واسع الصلاحيات، وتفعيل المجالس المحلية والبرلمان، يمكن أن يؤدي إلى إعادة الرقابة الشعبية على أجهزة الدولة، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات وتقييمها بطريقة تحقق بعضَ الرضا للسكان. كما يمكن أن يؤدي تنافس المُرشحين لشغل هذه المقاعد إلى تحفيز التنمية والاقتصاد والخدمات من أجل استقطاب أصوات الناخبين.

ولكن واقع الصراع الآخذ في التأزم يفرض تحدياتٍ أوسع من مجرد تفعيل هذه الكيانات واستئناف الانتخابات وما إلى ذلك؛ فلقد بقيت هذه الكيانات لثلاثة عقود، ولا تزال إلى الآن، تحت سيطرة حزبَي المؤتمر العام، الحزب الحاكم إلى ما قبل الثورة، والإصلاح، ذي التوجهات الإسلامية السياسية. وكمثال بسيط، لا يزال الزعيم البارز في حزب الإصلاح، حميد الأحمر، أحد أعضاء لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية بالبرلمان على الرغم من علاقاته المشبوهة بتركيا وقطر.


من غير المرجح أن يقبل الشعب، بالذات في الجنوب، عودة أعضاء هذه الأحزاب إلى الواجهة، أو استمرارهم أو ترشحهم لشغل مقاعد في المجالس المحلية أو البرلمان، وذلك بعد سلوكِ الكثير منهم المُتصف بالعنف، واللا مسؤولية والتهوُّر؛ بل والتطرف.

ويعني هذا، عملياً، استحالة عودة الحياة السياسية إلى فترة ما قبل ثورة الشباب في عام 2011، وأن التفكير في وضع خاص وجديد كلياً في المناطق المحررة، خصوصاً الجنوب، هو مطلب أساسي لا مفر منه؛ لتحقيق الحكم الرشيد والاستقرار في اليمن والمنطقة.